لعل ما أثاره مؤخراً أستاذنا وأديبنا إبراهيم طالع الألمعي حول موضوع جغرافية اللغة في شعر شعراء منطقة عسير, أقول لعل ذلك يضيف جديداً يعتبر به, وبخاصةٍ لمعلقي الدارة والمستعملين لتحقيق كتاب إمتاع السامر بتكملة متعة الناظر, فحين أعجزهم العمل استصدروا أمراً يقضي بتزويره, لأنهم لم يمتلكوا المعلومة التاريخية الدقيقة لتحقيق الغرض من التحقيق, إذ إن ما حواه الإمتاع من معلومات تاريخية ونصوص شعرية لم تكن غريبة أو معجزة أو أنها مستحيلة الوقوع, كما ظهر في بعض المخيلات, غير أن القوم وعلى ما يبدو يحملون رأياً مسبقاً وانطباعاً معيناً قبيل بدئهم العمل على التحقيق, والتي ظهرت بعد ذلك في شكل تعليقات سادرة كما وصفها أستاذنا محمد بن ناصر الأسمري في مقالته "إمتاع السامر والتعليق السادر". الجديد الذي أتى به الكاتب إبراهيم طالع عبر مقالاته المنشورة في صحيفة الشرق خلال الأسابيع الماضية, والتي امتدت إلى خمسة مقالات حتى الآن, وكما أرى فإن ذلك العمل كان خلاقاً وجديراً بالاحترام والتقدير, كما إنه سيكون محرجاً للمعلقين, بسبب اهمالهم للبحث الدقيق في مفردات النصوص الشعرية للإمتاع, ما جعل العمل التتبعي اللغوي لها ينتج مفاهيم غائبة, حيث إنه عمل على استقصاء المفردة اللغوية في النصوص التي أوردها الكتاب, وبعد أن قام بالتأصيل لها مكانياً, عمل على نسبة أحداثها ووقائعها ومناسباتها من خلال خلفية مكانية يتكئ الكاتب عليها, ولا أظن الكثير مما قاله معلقو الدارة سيبقى ذا قيمةٍ بحثية أو منهجية في مواجهة البعد الجغرافي والمكاني للغة, سيما وأن الحجية الواضحة لانتماء نصوص الكتاب جغرافياً تنفي ما قاله المعلقون من أن تلك النصوص جاءت من شخص واحد مجهول لم يشيروا إليه, وإن كانوا على ما يبدو يحاولون التلميح لأحد بعينه, إلا أنهم لم يتمكنوا من توجيه التهمة المباشرة للمجهول إياه, ذلك أن آراءهم لم تتعد الظنون وحسب, واليوم وبعد أن خرجت مقالات (جغرافية اللغة) عند شعراء منطقة عسير بقلم إبراهيم طالع, فإن أبناء المكان والمتشبثين بترابه عراقة هم الأقدر على تمييز ما يخصهم مما لا يخصهم, ولا يمكن للقادم من بعيد أن يكون أقدر منهم على تحديد أنماطهم الحياتية التي مازالوا يتذكرونها جيداً, وتلك اللغة التي يتداولونها بطبيعتهم وسجيتهم المميزة لهم عمن سواهم. من المهم جداً أن نعلم أن البيئة والطبيعة لا يمكن أن يفهمها ويتفاعل ويتواصل معها إلا من ينتمي لها, وعلى ذلك فإنه من الأجدى والأنفع أن يوكل الأمر إلى من يمتلك الفهم المكاني والجغرافي والحس الأدبي والبعد البيئي, حتى يقوم بوضع التفسيرات المناسبة والصادقة والمقنعة, وليس من المجدي نفي المعرفة إلا بالمعرفة.