قفص من ذهب والعصفور يدور في دائرة مفرغة.. قيود من وهم تكبل قدميه تمنعه من الطيران.. يُفتح أمامه باب القفص ولكنه لا يستطيع الخروج.. يتمنى لو أن يتم إطلاق سراحه ولكن شيئاً ما يمنعه من الرحيل.. فقد تعودَ على أغلالك وعلى الأسر بين يديك.. حتى أصبح يأبى فراقك.. وربما نسي كيف كان يطير.. ربما لم تعد لديه القدرة على مواجهة العالم الخارجي وحده.. لم يعد يدري.. كل ما يعرفه أنه لا زال يدور في مداراتك.. مستسلماً لك تلهو به بين يديك كطفل صغير.. لا أنت تريد أن تمنحه الحرية ولا هو لديه القدرة على الرحيل. إلى مدينة تسمى مدينة عشقي وجنوني.. لا زالت الذكرى تتراقص أمام عيني.. تؤرقني.. تعصف بي وتلقيني لأتكسرعلى أرصفة الحنين.. وأتبعثر فوق شظايا الوقت.. لا زالت رائحة العشق تبهر أنفاسي.. تسري في دمي.. تتغلغل في مساماتي.. تحاصرني وتسرقني من حاضري لتعود بي حيث كان.. وكنتُ.. إلى لحظات هي كل العمر جمعت بيننا.. لا زالت تلك الغزالة الشاردة ترعى في أعشابه البرية.. تشرب قطرات شهده العَبِق.. تغفو في عينيه الصافيتين.. تترقب بلهفة ترنيمة تنساب من شفتيه بأحرف أربعة لتروي ظمأ الوردة الجورية.. إليكِ أيتها الذكرى التي لا تزال محفورة في أعماقي.. لا زلتُ هناك أبحر في شرايينه.. ولن أعود.. لن أعود. سيدي العاشق.. لا تأخذني على محمل الجد حين أثور أو أهدد حين أكون غضبى بحرق المراكب بيني وبينك وهدم جميع الجسور.. لا تبالي بكلماتي التي أهذي بها في لحظات جنوني وانفعالي.. لا تصدقني حين أقول.. فليس بوسعي الرحيل منك إلا إليك.. لأني سأبقى دوماً مُلك يديك.. عاشقة لك حتى انتهاء الزمان وحتى جفاف البحور. ليس من الإنصاف أن أقارن أي رجل آخر - في الوجود - بك.. ليس لأنك أفضلهم على الإطلاق ولكن لأني أحبك أنت. ثمة شيء خفي لا أدرك كنهه يشدني إليك.. يبهر أنفاسي.. يملأني دهشة.. يلون أيامي بلون الياسمين.. يغمرني بفرح طفولي عندما يحمل إليّ الأثير كلماتك كهدية عيد.. ثمة شعور بالرهبة ينتابني حين أشرع في الكتابة عنك.. أو إليك.. ثمة إحساس مبهم يحيلني إلى وردة جورية تغتسل بحبات الندى حين أفكر فيك.. ثمة ابتسامة من نور ترتسم على شفتي حين تردد الذاكرة كلماتك على مسامعي.. فمن أين لي بالكلمات كي أكتب إليك كل ما يجول بخاطري.. عذراً يا من أحار كيف أصف له عمق إحساسي.. ولون مشاعري.. سأكتفي بالصمت فإن الصمت - حين تعجز الحروف - يكون أبلغ من كل الكلام. أوتارٌ ممزقة تلك التي تعزف عليها معزوفتك اليومية.. أوتار قلبي الحائر التي تئن تحت وطأة أناملك العابثة.. وما بين وتر مشدود وآخر مقطوع نبضات لاهثة تطارد طيفك لكنها أبداً لا تصل إليك.. لحن أحزاني يعانق صمتي.. يتراقص دمعي.. يتوارى خجلاً مني.. تذوب شموع العمر.. يرتجف اللهب بين يديك لينطفيء.. يسود ظلام دامس من حولي.. أتخبط حائرة في متاهات الوقت.. يخفت صوت اللحن شيئاً فشئياً.. تعتري أنفاسي آهات ترتسم بملامح الجرح الغائر بين الضلوع. [email protected]