" ليس الماء وحده ..جوابا عن العطش" مجموعة من الكتابات الشعرية والتأملية للشاعر العربي أدونيس صدرت في طبعة جديدة وهذه المرة عن طريق مجلة دبي الثقافية ضمن مشروعها الجديد في اصدار الكتاب الشهري , في هذه المجموعة بدى أدونيس بصورة الرحالة العارف والمتأمل الفيلسوف للموجودات من حوله فهو يتجول بنا في قصائد بأسماء مدن وفي مدن تخلق القصيدة وتبتكرها , فبين نيويورك واسبانيا والاسكندرية والمغرب العربي نلمح تجليات أدونيس وبحثه الدؤوب في جماليات جديدة وتأملات فسيحة , وشيء من اليوميات أثناء هذا التجوال اللامؤطر واللامحدود فالمكان لم يكن حصارا وبقعة جغرافية بل إن الشاعر يمنحه هواء القصيدة ويفك بها سياج الجغرافيا وحدودها فنقرأ في قصيدة " غيمة فوق الاسكندرية مثلا : "للهواء حكمة يثق بها هذا الشاعر " والمكان لدى أدونيس لايحمل دلالاته التوصيفية فقط , بل هاهو يأخذنا إلى المتاحف والمساجد والقبور والشعراء والبحر والمرفأ والتماثيل وغيرها , نقرأ قصيدة " ميدان عرابي " وقصيدة " تمثال " سعد زغلول " و " سوق السمك " و" متحف كفافيس " , كل هذا الترحال يأتي في صورة الروائي والعارف والفيلسوف وبصور أدونيس التي لاتتخلى عن سرياليتها في الكثير من عباراتها وفي رسم علاقات جديدة للمفردات مع بعضها وللغة التي تبتكر كائنها لندخل في انسجام جديد ربما نشعر به كل مرة في كل تجربة لأدونيس , والشاعر الذي يعيد صياغة الأشياء ويصنع تأملاته العميقة مع الوجود والأحداث يقدم من خلال كتابه تصوراته ورؤاه بل ويسجل مواقفه ولكن بخبره الفنان وطريقته الخاصة وبكم كبير يمتلكه أدونيس من الثقافة الموسوعية والتاريخية خصوصا , نقرأ كليوباتره في رفقة الشاعر و سيبنوزا الفيلسوف والاسكندر والنبي سليمان والهدهد والفراعنة : "حقا أيها الشعر , أيها العين العالية , ليست الأيام إلا غيوما تتحرك في عين الليل " هي ذات العين التي يقرأ بها أدونيس خلاصة تجربته مع العالم من حوله ويدخل بنا في عمق فلسفته ورؤاه , عن الشعر والحداثة والحب والسياسية والجسد والحرب والفن : "لم أكسر نافذة إلا لغاية واحدة أن أجعلها أكثر اتساعا وأكثر وحدة مع الأفق " تلك النوافذ التي كسرها أدونيس منذ البدء تنتج في كل مرة هذا الاتساع وهذا الافق الذي لايحد القصيدة التي تفتح التأويل على مصراعيه لتبقى ذلك الوهج السري وانقلابها الفني القدير يقول أدونيس : "ما التجريب في الكتابة ؟ - هو أن نحقق شيئا لم يحقق سابقا بطريقة لم تستخدم سابقا ونتائج غير منتظرة " وربما تلخص العبارة الأخيرة -التي جاءت في نص بعنوان " العبارة " – الكثير من أجواء هذا الكتاب وعوالمه والذي جاء في 180 صفحة