علي محمد الحسون .. أخذ العجوز مكانه المعتاد أمام منزله بعد انقطاع "أجزع" الشاب عليه الذي ما ان رآه امامه مفترشاً ذلك الكرسي الطويل حتى بادره قائلاً: أين أنت ايها الشيخ؟ نظر إليه العجوز بعينين نصف مفتحتين.. هل تريد أن نقول أنك سألت عني في غيابي؟.قال الشاب: نعم سألت كثيراً فقيل لي إنك كنت مسافراً خارج "المدينة" قال العجوز وهو يتحرك في مقعده: آه أجلس لأحكي لك شيئاً مما رأيت.. لقد تغيرت الدنيا يا ابني تخيل الإنسان يسافر الى أقصى نقطة في العالم. فقاطعه الشاب قائلاً: أين هي اخر نقطة؟ لم يعره التفاتة فواصل كلامه قائلاً انك تستطيع أن تذهب الى البعيد البعيد في ساعات من يوم.. ان هذه الوسيلة "الطائرة" فعلت الأعاجيب جعلت الإنسان يملك وقته.. لا الوقت الذي يملكه. قال الشاب أراك اليوم شديد الاعجاب بهذه "الطائرة" لأنني يا ابني لأول مرة أكون أحد الذين يتمتعون بها. فقال الشاب بحماس: لقد ذكرتني أيها الشيخ فأنا على كثرة سفري اشعر بالاعجاب الكبير بالخطوط السعودية في كل مرة أكون فيها أحد ركاب الخطوط الأجنبية.. يزداد اعجابي بهذا المستوى المتقدم من الخدمة الأرضية والجوية ولا أكتمك ايها الشيخ اذا ما قلت لك إنني اشعر بارتياح نفسي كبير عندما أكون على احدى طائرات السعودية فمهما كانت الغربة موحشة فانها تتحول في داخلي الى أمان وسكينة.. كان الشيخ العجوز يستمع الى الشاب باعجاب فقاطعه قائلاً: انني اراك معجباً بهذه المؤسسة.. فراح الشاب يقولِ: الخطوط السعودية مؤسسة وطنية استطاعت أن تكون من أكبر "الأساطيل" الجوية في العالم استطاعت أن تصل الى مناطق متفرقة في العالم عبر شبكة طيران غاية في المتانة والقوة وقد حطمت كثيراً من المسافات سواء كان ذلك في التجهيز أو في الامكانيات فقال العجوز بكثير من الاهتمام للشاب أراك شديد الحماسة فهل لك أن تعطيني نبذة عنها؟ اعتدل الشاب في مجلسه كأنه يريد أن يلقي على العجوز محاضرة طويلة عن نشأة هذه المؤسسة وراح يقول: البداية كانت عبارة عن طائرة من طراز "دوغلاس دي سي 3" وذلك في عام 1945م لتصل الآن الى ما يزيد على تسعين طائرة من أحدث الطائرات في العالم أي خلال ستين عاماً من الجهد والبذل نعرف مدى الفارق الكبير بين البداية وبين ما وصلت اليه ففي اخر احصائية على المستوى الممتاز حيث بلغت نسبة الانضباط للرحلات بلغت نسبة عالية. فقال العجوز الشيخ بكثير من الاهتمام لماذا هذا الفارق في النسبة؟ فرد الشاب قائلاً بعد أن "تنحنح" كمن بمواطن الأمور عليم: الفارق بين نسبة الاقلاع والهبوط هو أنه من المعروف ان التحكم في الاقلاع بدرجة أعلى من مواعيد الوصول التي تتأثر بعوامل عديدة منها حالة الرياح اثناء الرحلة ومدى ازدحام محطات الوصول.. نظر العجوز الى الشاب باعجاب وأخذته الذكرى الى أكثر من ستين عاماً ولم تكتحل عيناه ولا خطر على ذهنه أنه سوف يشاهد كتلا من الحديد تطير في الهواء.. ولازال يذكر أول مرة وصلت فيها طائرة الى المدينةالمنورة وخرج من خرج الى مكان هبوطها في منطقة سلطانة وهو لا يصدق ما يرى صحيح كان يسمع أبان الحرب العالمية بين هتلر والحلفاء أن غارات تقوم بها طائرات هتلر على مدن "ابو ناجية" "الانكليز" لكنه لم يصدق هذا كثيراً وكان يعتبره ضرباً من المحال الذي لا يتحمله ذهنه أو فكره الى ان رأى في ذلك اليوم الشهير عندما هبطت طائرة صغيرة على الأرض الرملية في سلطانة. لكن أين هو اليوم من ذلك اليوم هذه الطائرة بمختلف أحجامها وأنواعها اصبح التعامل معها ضرورة لا يمكن التغلب عليها.. كيف كنا وأين اصبحنا؟ تساءل في نفسه، ثم هز رأسه كأنه ينفض من عينيه كثيراً من الصور التي بدأت تتراقص بين عينيه. وفجأة صمت "صمتة" وهذيانه. فالتفت الى الشاب ليستمع الى المزيد من المعرفة عن هذه المؤسسة التي تعنى بهذه الطائرة. فقال الشاب باهتمام: إن هذا المستوى الذي وصلت اليه "السعودية" سواء كان في معدلات الأداء التشغيل او الانضباط الوصول والاقلاع وهذا العدد الضخم من أفخم أنواع الطائرات كل هذا يجعل من هذه المؤسسة الوطنية علامة بارزة من علامات تقدم هذا البلد العزيز وهي دليل على مدى التطور الذي نعيشه على جميع الأصعدة وفي مختلف المجالات. ** فقال العجوز مقاطعاً الشاب: كل هذا الذي قلته جميل وكدت أفهمه بكل مصطلحاته التي ذكرتها.. لكنني أريد أن اقول شيئاً.. أعطاه الشاب اهتماماً خاصاً فهو يعرف مدى فكر هذا الشيخ العجوز.. قال العجوز: لقد لاحظت وأنا في الطائرة بعض الناس يعبثون بالمقاعد ومنهم من يضع حذاءه على المقعد الذي أمامه.. مما ساءني كثيراً.. فقال الشاب وقد بهرته ملاحظة العجوز: إنك رائع كما عرفتك دائماً. فهز العجوز عصاه وهو يقول في بساطة وبلاش لا تأكل بعقلي حلاوة.. فقال الشاب وهو يكسو وجهه مسحة من الجد: أبداً وبصدق فأنا لم تخطر في بالي هذه الملاحظات على كثرة استخدامي للطائرة في سفري.. نعم ياسيدي أن المحافظة على الأموال العامة للدولة مسؤولية مشتركة بين المواطن والمسؤول وهذه الطائرات هي ملك عام للمواطن ومسؤولية المحافظة عليها مسؤولية مشتركة فأنا بحق أشعر بالحزن عندما أشاهد البعض وهم لا يحافظون على ما هو لهم كأن الأمر لا يعنيه.. فهذا الذي يقوم بقطع "زراير" المقعد مثلاً لو فكر قليلاً لأدرك أنه خسر نفسه قيمة تلك "الأزرار" فالسعودية مؤسسة وطنية بأموال سعودية يجب المحافظة عليها لتستطيع وهي المؤسسة التي وصلت الى هذا المستوى أن تنافس أكبر الشركات العالمية إذا نحن تعاملنا معها على أننا شركاء فيها. قال العجوز مقاطعاً الشاب: لقد شعرت بارتياح وأنا أستمع الى "دعاء السفر" الذي يقرأ قبل الاقلاع لكن لي ملاحظة عليه وهو بعض الذين يتلون هذا الدعاء لا يجيدون القراءة بشكل سليم فلو السعودية جعلت أحد الذين لهم صوت جميل ونطق سليم يسجل لهم هذا الدعاء ويوزع على كل الطائرات لكان هذا اصوب. قال الشاب: اراك بدأت تقول بعض النقد. فسارع العجوز قائلاً: أبداً هو ليس نقداً لكنه لفت نظر فقط.. أيضاً أريد أن اقول إن نوعية المبيعات التي تقدمها للركاب في رحلاتها الخارجية تحتاج الى شيء من العناية في الشكل وفي السعر أيضاً. نظر الشاب الى ساعته: فقال له العجوز هل تأخرت أن وقت الافطار لم يحن بعد وأريد أن اقول أيضاً طالماً نحن نتحدث عن الطائرات لقد لاحظت أن صالة السفر في مطار المدينة لا تتسع لركاب رحلتين في آن واحد فترى الناس وقوفاً على أقدامهم.. قال الشاب هذا حق: فطائرتان من طراز "الايرباص" لا تتحملها صالة السفر.. واستدرك الشاب قائلاً ان هذا من مسؤولية مصلحة الطيران المدني. فقال العجوز: ألم نتفق أن المسؤولية مشتركة.