جاءت أحداث 30 يونيو التي انتهت بسقوط حكم الإخوان في مصر، لتلقي بظلالها على القضية المركزية الأبرز للنظام السياسي العربي خلال ما يربو على ستة عقود، ألا وهي القضية الفلسطينية، التي لم تكن بمنأى عما يحدث من تطورات داخل دول التغيير العربي عامة، ومصر تحديدًا، حيث إن ما تشهده من تداعيات داخلية فإنه، بلا شك، يلقي بظلاله، بشكل أو بآخر، على كافة أرجاء الوطن العربي، ومن ثم فإنه من المهم أن نبحث في انعكاسات الأزمة التي تمر بها الدولة المصرية على ملفات القضية الفلسطينية المختلفة، سواء على المستوى الفلسطيني - الفلسطيني، متمثلاً في المصالحة بين حركتي فتح وحماس، أو على مستوى العلاقات المصرية - الفلسطينية، لاسيما ما يتعلق بملف غزة وارتباطه بأمن سيناء، وأخيرًا على مستوى مستقبل عملية السلام، لاسيما في ظل تجدد الحديث عن جولة جديدة من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أمريكية. 30 يونيو والمصالحة الفلسطينية يبدو المستوى الفلسطيني الفلسطيني من أبرز الملفات الفلسطينية تأثرًا بتطورات الأوضاع في مصر، حيث يمكن القول إن أهم ما ترتب على عزل الرئيس السابق محمد مرسي وإنهاء حكم الإخوان هو تغير موازين المعادلة الفلسطينية لصالح حركة فتح بعد أن كانت تلك المعادلة تميل لمصلحة حركة حماس خلال حكم مرسي لاعتبارات تتعلق بالوحدة الفكرية والأيديولوجية، بالنظر إلى إن حماس هي النسخة الفلسطينية لحركة الإخوان المسلمين. ففي حين بادرت فتح بمباركة عزل مرسي وتأييد خريطة الطريق التي أعلنتها القيادة العامة للجيش المصري، بل وقام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بزيارة الرئيس المصري المؤقت المستشار عدلي منصور، جاءت إزاحة الإخوان عن الحكم بمثابة الصدمة لحماس التي كانت تراهن على القيادة المصرية الجديدة باعتبارها الداعم اللوجستي.ومن ثم فقد ألقت مستجدات الأمور على الساحة المصرية بظلالها السلبية على حركة حماس.ونظرًا لوقوف كل من فتح وحماس على طرفي النقيض حيال تطورات المشهد المصري، فقد ترتب على ذلك زيادة حدة التوتر في العلاقات بين الحركتين، فطفا إلى السطح مؤخرًا ما يمكن أن نطلق عليه "حرب الوثائق"، حيث اتهمت حماس حركة فتح بالترويج، لتورطها فيما يحدث داخل مصر من معضلات أمنية لاسيما في سيناء، بهدف إثارة الرأي العام المصري ضدها . **من التقارب إلى النفور وفي سياق آخر، يبدو التوتر الحاصل في العلاقة بين حماس والقاهرة بعد الإطاحة بمرسي أحد تجليات الأزمة الاستراتيجية التي لحقت بحماس عقب تداعيات 30 يونيو، فبعد أن اتسمت العلاقة بين مصر، التي يحكمها الإخوان المسلمين، وحماس، النسخة الفلسطينية من جماعة الإخوان المسلمين في الأراضي المحتلة، بالتقارب والتواصل والتنسيق على مدى عام كامل، بخلاف نظام مبارك الذي دائمًا ما كان ينظر إلىها باعتبارها جماعة معادية للأمن القومي المصري بالنظر إلى خلفيتها الإخوانية، فقد تبدل الحال لما بدا أنه تحالف وثيق بين حماس والقاهرة، إلى ما يشبه القطيعة بين الجانبين، وكأن كراهية الإخوان في مصر قد أصابت نسختهم الفلسطينية متمثلة في حركة حماس. لكن شهر العسل في علاقة حماس بالقاهرة لم يدم طويلاً، فبعزل الإخوان عن الحكم عقب تظاهرات 30 يونيو، وتواري الإخوان عن تصدر سدة الحكم في مصر، شهدت علاقة حماس بالقاهرة الكثير من التوترات، لاسيما توتر الأوضاع الأمنية بشدة في سيناء، إعلان القوات المسلحة المصرية على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك، عن وجود أسلحة مدون عليها اسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وبعض المهمات العسكرية التي تستخدمها الحركة، وذلك خلال حملات التمشيط الأمنية التي تقوم بها القوات المسلحة لتجفيف منابع الإرهابيين في سيناء، وبجانب التهم الموجهة للرئيس المعزول محمد مرسي بالتخابر مع الحركة المتهمة قضائيًا بالتورط في اقتحام السجون وتهريب السجناء إبان ثورة 25 يناير 2011، بالإضافة إلى الشكوك المثارة، حول تورط حماس في مقتل 16 جندي على الحدود المصرية أغسطس 2012. ومع قيام القوات المسلحة المصرية بتدمير الكثير من الأنفاق بين سيناءوغزة فقد باتت حكومة حماس تواجه أزمات حادة جراء تدمير تلك الأنفاق، ووفقًا لما أعلنه وزير الاقتصاد بحكومة حماس، علاء رفاتي، فإن حجم خسائر قطاع غزة جراء هدم الأنفاق بلغ نحو 460 مليون دولار. ومع معضلة المتطلبات المعيشية التي تواجهها حكومة حماس المقالة في غزة، لاسيما أزمات نقص الكهرباء والوقود مواد البناء والسلع وغيرها، وربما تأثرًا بالسياق المصري، فقد أعلن بعض النشطاء الفلسطينني تدشين حملة تمرد للإطاحة بحكم حماس في غزة على غرار حملة تمرد المصرية التي أطاحت بحكم الإخوان، وفي محاولة منها لتعويض خسارتها لحليفها الاستراتيجي في مصر، عمدت حركة حماس إلى إحياء علاقاتها بحلفاء الأمس، لاسيما إيران، للخروج من هذا المأزق. تطورات المشهد المصري وعملية السلامبالتوازي مع إزاحة حكم الإخوان في مصر، شهدت الساحة الفلسطينية حراكًا جديدًا فيما يتعلق بإحياء المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتمثل ذلك في جولات مكوكية قام بها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري أواخر يوليو 2013..ولعل الحافز الأكبر لاختيار واشنطن وتل أبيب هذا التوقيت لإعادة إحياء جزرة التفاوض مع الفلسطينيين يكمن في تراجع القضية الفلسطينية في سلم أولويات الدول العربية بشكل كبير، وهو ما يمكن إسرائيل من استغلال هذا الوضع عبر بوابة استئناف المفاوضات بما يصب في مصلحة المفاوض الإسرائيلي، لاسيما في ظل داخل فلسطيني منقسم على نفسه ومرشح لتعميق هذا الانقسام بفعل تداعيات المشهد المصري بعد الإطاحة بمرسي، وبيئة إقليمية تشهد توترًا وانقسامًا بين دولها الرئيسة، سواء على صعيد العلاقات العربية العربية أو حتى على الصعيد الداخلي لكل دولة على حده. فعلى الرغم من تأكيد الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور على أن مصر ستقدم كل الدعم للقضية الفلسطينية حتى تتحقق مطالب الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، إلا إن مصر تعاني من عدم استقرار سياسي وتوتر أمني واستقطاب مجتمعي بما يقلل من حركتها الخارجية اكتفاءًا بانشغالها بالأوضاع الداخلية الملتهبة، وإذا أضفنا إلى ذلك معاناة تونس، الحاضنة المهمة لحركة التحرير الفلسطينية لعقود، والتي تشهد هي الأخرى حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني وتسعى لإعادة ترتيب البيت من الداخل، وسوريا التي تشهد اقتتالاً داخليًا منذ نحو ثلاث سنوات.. فإن جملة هذه التطورات تعني أن الظهير العربي للقضية الفلسطينية بات منكشفًا بشدة، وهو ما يعني حرية حركة غير مسبوقة لإسرائيل في هذا الصدد، بما قد يكبد القضية الفلسطينية ككل خسائر غير مسبوقة ربما لم تتكبدها بالاستهداف العسكري المباشر.