لتوِّه يجلس بين صفوف المصلين، وإذا بخطيب الجمعة يصدح في آذان الجالسين: روي أن "النظافة من الإيمان".. تعمّق الإمام وهو يشرح للمصليِّن البُعد الحضاري لمثل هذه الكلمات الخالدة.. ذكّرهم بأننا ننتسب إلى أفضل الأديان، وهذه الكلمة خير مصداق! مصطفى، مع صغر سنِّه؛ أعجب بالخطبة والخطيب، وعندما همّ بالخروج من المسجد، تفاجأ وهو يرى الشيخ يبصق في الطريق المؤدية إلى بيته. تداعت صورة البصاق إلى ذهنه، ولم يجلس مع أسرته لتناول وجبة الغذاء! في يومه الدراسي الأول، لم يكن في حسبان الطفل الصغير أنه سيستمع لعبارة "النظافة من الإيمان"؛ ككلمة في طابور الصباح، أو كنصٍّ دراسي في مادة المطالعة، ثم كعبارة معلّقة في ممرات المدرسة.. تذكّر أيضًا أن والده نقشها بخطٍّ جميلٍّ في دفتره الخاص، وهو يُعلمّه كتابة الحروف قبل التحاقه بالمدرسة. بعد يومٍ حافل قضاه في عالمه الجديد، انتظر مصطفى إرشادات المُرشد؛ ليتوجّه مسرعًا نحو الحافلة التي تقلّه إلى البيت، وقبل أن يخرج؛ شَخَصَ ببصره إلى الخلف، فرأى علب الماء والعصير وبقايا الأطعمة تملأ المكان، وما أن همّ بالصعود، وإذا به يقرأ العبارة نفسها معلَّقة في الحافلة.. وتلقى المفاجأة الجديدة، عندما سمع السائق يصرخ في الأطفال: "لا تخلوني أشوف وسخ في الباص، كل واحد يرمي أوساخه من الدريشة بسرعة، وما عليكم من كلام المدرسين، ترى هم خراطين ويرموا الأوساخ زيكّم"!! عاد الصغير إلى منزله وهو لا يقوى على الوقوف، لم يكن بإمكانه أن يوائم بين ما سمعه وما رآه، خلال هذه الفترة الوجيزة.. تناول طعامه مسرعًا، وباغت أمه بسؤاله البريء: ماما، صحيح كلام الشيخ والمعلمين: "النظافة من الإيمان"؟ أجابته: "أكيد يا حبيب الماما. ويش هالسؤال يا ولدي؟". وفي مساء اليوم نفسه، خرج الطفل مع والديه؛ لشراء بعض المستلزمات الدراسية، وقبل أن يعودوا إلى البيت، بادر والده بإلقاء فضلات الطعام من السيارة؛ لتتبعه الأم.. ذُهل الطفل! فتح نافذة السيارة، حاول رمي الأوساخ، لكنه تراجع عن الفكرة، وراح يصرخ في حالة هستيرية: "النظافة من الإيمااااااااان".