لم تكن "ثورة 25 يناير" حدثاً استثنائياً في تاريخ مصر، فيشهد هذا التاريخ أن "ميدان التحرير" كان رمزاً للكثير من الثورات والاحتجاجات، حيث وصف المؤرخون هذا "الميدان" بأنه حمل انتصارات المصريين بعد حرب "أكتوبر 1973" والتي ساهمت في تحرير مصر من العدوان الإسرائيلي عليها، وبعد ثورة 25 يناير ازدادت مكانة التحرير لدى المصريين بعد ما شهد خلاص الشعب المصري من قيود الديكتاتورية والنظام الاستبدادي الذي حكم البلاد على مدار ثلاثين عاما مضت، مطالبين (أي المصريين) بالحرية والعدالة الاجتماعية وتنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، متخذين من ميدان التحرير مقراً لثوراتهم واعتصامهم . فخلال عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، شهد الميدان أكبر المظاهرات الطلابية من جامعة القاهرة ضده، إذ قام الشباب وقتها سيراً على الأقدام من الجامعة إلى كوبري عباس وحتى شارع القصر العيني متهمين "السادات" بالنكوص بعهده في شن حرب على العدو الإسرائيلي رداً على عدوان 1967، ثم عاد الميدان ليشهد من جديد أكبر حشد ولكن هذه المرة لتحية "السادات" بعد حرب أكتوبر المجيد عندما كان قادماً لإلقاء خطاب "النصر" أمام مجلس الشعب. والغريب أن نفس هذا الميدان الذي شهد ثورة على "السادات" ثم الهتاف له، عاد وثار مرة أخرى ضده، عندما تم رفع سعر عدد كبير من السلع الأساسية، والتي أدخلت الكثير في "حالة هياج" يمكن تسميتها "بشبه ثورة"، وكان الميدان أيضاً هو شرارتها الأولى. وعند العودة بالزمن عدة سنوات، بعد ما قرر الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" التنحي عن منصبه عقب "النكسة" ورفض الجماهير للقرار وتوجهها من الميدان إلى مقر إقامة عبد الناصر في منشية البكري لإثنائه عن التنحي، شهد الميدان مظاهرات عارمة وخاصة من الطلاب والشباب للتنديد بالأحكام التي صدرت ضد المسئولين عن النكسة، وطالبوا بالمزيد من الحرية والديمقراطية مما دعا عبد الناصر إلى إصدار ما سمي ببيان "30 مارس 1968". وبعد قيام ثورة يوليو، تم تغيير اسم الميدان من "الإسماعيلية"إلى "التحرير" للتعبير عن التحرر من أسرة محمد علي ومن الاستعمار البريطاني، وتم الإبقاء على القاعدة الرخامية في وسط الميدان بدون أن يقام عليها تمثال الخديوي إسماعيل. وكان قد شهد ميدان التحرير قبل قيام هذه الثورة بستة أشهر حريق القاهرة الذي أدى إلى احتراق عدد هائل من المباني التاريخية الأثرية مثل فندق شيبرد القديم، ثم يأتي العدوان الثلاثي على مصر ويتحول الميدان مرة أخرى إلى مكان التجمع الرئيس للمصريين للحشد والتطوع ضد الاحتلال في بورسعيد، وتم انعقاد أول مؤتمر قمة عربي في مبني الجامعة العربية الذي أصبح أحد المعالم الرئيسة للميدان. وبعد "ميدان التحرير" الذي كان الشاهد على انتصارات وانكسارات الكثير من المصريين، ظهرت ميادين أخرى لتكون أيضاً مكاناً للتعبير عن الرأي ومنها ميداني "رابعة العدوية والنهضة" التي بدأت في الظهور مؤخراً وكانت مكاناً "لجماعة الإخوان المسلمين" وتيار الإسلام السياسي في مصر والمؤيدين للرئيس السابق محمد مرسي، حيث دخل المئات في اعتصام مفتوح لمواجهة المعارضة التي نجحت في إسقاط النظام المدني الأول في تاريخ مصر. ولكن بعد معاناة الاعتصام الذي استمر قرابة 45 يوماً عادت الحياة إلى طبيعتها بمحيط رابعة العدوية بالقاهرة، وذلك عقب قيام قوات الشرطة بفض الاعتصام وسط حالة من الفرحة العارمة التي سيطرت على الأهالي الذين عادوا إلى منازلهم مرة أخرى بعد أن غادروها غصباً بسبب ظروف الاعتصام التي وضعتهم تحت الحصار الذي فرضه أنصار جماعة الإخوان المسلمين. وشهدت الأيام الماضية مساهمة الأهالي وتعاونها مع رجال النظافة في رفع مخلفات الأحداث التي اندلعت ليلة فض الاعتصام، وقاموا بإزالة الصور واللافتات التي كست مداخل البيوت والكتل الخرسانية لتبدأ مرحلة التطهير بالمياه وإعادة تشجير الشوارع والحدائق الملازمة للعقارات، كما تتولى القوات المسلحة المصرية إعادة ترميم مسجد رابعة العدوية. في البداية، أكد المهندس عبد القادر توفيق (42 سنة) أنه عانى وأسرته كثيراً بعد احتلال جماعة الإخوان لميدان رابعة العدوية ب10 أيام لسوء معاملة اللجان التأمينية التي كانت تقوم بتفتيش الأسرة بأكملها في الداخل والخارج. وأضاف محمد محمود (صاحب صالون حلاقة) أن فض الاعتصام كان أسعد خبر تلقاه خلال الأيام الماضية؛ لأن ذلك الاعتصام تسبب في إغلاق باب رزقه لمدة شهر كامل بعد أن توقفت حركة المرور تماماً وغاب الأهالي عن المنطقة وسيطر الإخوان على الشوارع بالخيام، مطالباً وزارة الداخلية بعدم السماح مرة أخرى بمثل هذه التجمعات التي تضر بمصالح الناس، قائلا: "ليس من حق أحد أن يتسبب في أذى وقطع عيش الآخرين وتعطيل عجلة الإنتاج". ووصف الدكتور محمود أسعد (الذي يسكن خلف مسجد رابعة العدوية) أن ما حدث خلال فترة الاعتصام فاق الحدود؛ لأنه لم يكن في الشارع فقط بل وصل إلى داخل المنازل من خلال مطالبات بعض المعتصمين بالحصول على ماء"مثلج" وتفتيش الأسطح وغير ذلك، فضلاً عن سوء المعاملة أثناء الخروج والعودة إلى البيت، فكنت أتعرض لسلسلة من التفتيش من شخص إلى شخص وكأني أنتقل من دولة إلى أخرى. وقالت فتحية عبد الجواد (زوجة حارس عقار) أن زوجها تعرض للضرب من قبل أنصار جماعة الإخوان لرفضه دخول أي منهم للعقار باعتبارها مسئولية تقع عليه أمام السكان، وقالت: "إحنا كنا في احتلال..دول ميعرفوش أخلاق الإسلام والمسلمين". ورحب مصطفى عبد العاطي (33 عاماً)، صاحب أحد المطاعم في أول شارع عباس العقاد، بقرار رئيس الجمهورية بشأن إعلان حالة الطوارئ بعد العنف الشديد الذي تمارسه شبيحة الإخوان وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في الشارع، قائلا "الله أكبر الله أكبر .. الحظر أفضل من الاعتصام وما عشنا فيه الأسابيع الماضية من ذل ورعب ووقف حال"، مؤكداً على مساعدته ودعمه لقوات الأمن والقوات المسلحة في موقفها تجاه الإرهاب الذي تمارسه جماعة الإخوان المسلمين. وعلق محمد العدلي (صاحب محل ملابس في ميدان الساعة) على تأخر الشرطة والجيش كثيراً في فض هذا الاعتصام، قائلاً: "كرهت العيش في مدينة نصر بأكملها ولا أرغب في استكمال حياتي بها وأرغب في الانتقال إلى أي مكان آخر.. فأنا وزوجتي وأولادي كرهنا المنطقة بسبب ما كان يحدث لنا عندما كنا نفكر فقط في الخروج". وقالت هناء محمود، طالبة بأحد المعاهد الخاصة في مدينة نصر: كنت أشعر بموجة من الخوف والرعب، ولم أتخيل أبداً أن تبدأ الدراسة وسط كل هذه المهازل التي يقوم بها بعض المتشددين من الإسلاميين، وكنت على يقين بمنعي من الذهاب إلى المعهد خوفاً من تعرضي إلى أي عنف أو مضايقات من قبل المعتصمين. وقال رضا عامر (دكتور باطنة): "تعطلت خلال الأيام الماضية وأغلقت عيادتي بمدينة نصر، فلم أتمكن من الوصول إليها طيلة فترة الاعتصام، رغم استمراري على دفع إيجارها دون الاستفادة منها بأي شيء، وكنت اعتمد في مصاريفي على عيادتي الأخرى التي من حسن حظي كانت تبعد تماما عن طريق مدينة نصر". ويشار إلى أن أهالي رابعة العدوية قد أصدروا بياناً يستغيثون فيه من المسئولين وعلى رأسهم عدلي منصور الرئيس المؤقت ومحمد إبراهيم وزير الداخلية من اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، بالإضافة إلى عشرات البلاغات المقدمة للشرطة والنائب العام. وكان نص البيان: "تحملنا نحن سكان رابعة العدوية المتضررون من الاعتصام الكائن بمحيط سكننا، 45 يوماً من الحصار الشامل لشوارعنا ومداخل عقاراتنا وممتلكاتنا، وعانينا ونعانى يومياً من انتهاكات لحقوقنا وممتلكاتنا وحريتنا، مما أثر على حياتنا بالسلب، وتسبب لنا ذلك في أضرار مادية ومعنوية، وناشدنا الأجهزة الأمنية أكثر من مرة لمساعدتنا في استرداد حياتنا وممتلكاتنا التي قد سُلبت منا بالإكراه". وأضاف البيان: "لقد توجهنا لمكتب النائب العام وقمنا بتقديم بلاغات جماعية توضح مدى الضرر الواقع علينا، كما وجهنا الدعوة أكثر من مرة للمسئولين بأجهزة الدولة لزيارتنا بمنازلنا للاطلاع على ما نعانيه ولكن كل محاولاتنا باءت بالفشل، فلم يستطع أحد حتى هذه اللحظة مساعدتنا، لذلك نطلب من السيد الرئيس المؤقت/ المستشار عدلي منصور والسيد رئيس مجلس الوزراء/الدكتور حازم الببلاوي بتوفير شقق سكنية بديلة عن شققنا التي تقع داخل مدينة نصر؛ لننتقل إليها لحين تحرير ممتلكاتنا من الحصار المفروض عليها. هذا ونؤكد أن هذه هي أقل حقوقنا كمواطنين تعرضنا للتعدي والأذى ولم يغيثنا أي جهاز من أجهزة الدولة منذ يوم 28/6/2013 وحتى يومنا هذا، في كل مرة استنجدنا بهم، كما نؤكد أننا لسنا طرفاً في الصراع، فكل ما نطلبه حياة طبيعية آمنة وهذا ما لم ننعم به طوال 45 يوماً، فأرواحنا باتت في خطر بسبب حالات الاستنفار المتكررة بمحيط رابعة العدوية ومحاولات الموجودين بشوارع رابعة المتكررة خلال الأيام الأخيرة لاقتحام العقارات بداعي تفتيش أسطحها، مما يسبب الاحتكاك الدائم مع السكان، ونهيب بالحكومة المصرية تنفيذ مطلبنا العادل والمشروع دون أي تأخير، كما نحملها كامل المسئولية إذا ما ساء الوضع وتعرض أحد السكان للأذى بسبب التأخر في تنفيذ مطلبنا".