طرحت حادثة اختطاف ناقلة النفط السعودية "سيريوس ستار"، في 18 نوفمبر 2008، العديد من التساؤلات حول التداعيات التي يمكن أن تمثلها عمليات القرصنة على الدول العربية والآليات التي قد تتبع لمواجهتها، وبشكل خاص من الناحيتين الاقتصادية والأمنية. ويأتي ذلك في ضوء الحديث المتزايد عن تحويل السفن لمساراتها بعيدا عن قناة السويس؛ هروبا من التعرض للاختطاف من ناحية، وتعزيز الوجود العسكري الغربي في البحر الأحمر، وخاصة في المنطقة القريبة من مضيق عدن والسواحل الصومالية من ناحية أخرى، وذلك نظرا للأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة، حيث يمر بها حوالي 30% من الإنتاج العالمي للنفط، وحوالي 16 ألف سفينة تجارية وسياحية سنويا، ما مثل دافعا قويا لهذه الدول للتدخل بنشر وحدات بحرية عسكرية لحماية مصالحها في تلك المنطقة. وتحمل حادثة اختطاف ناقلة النفط "سيريوس ستار"، المملوكة لشركة أرامكو السعودية، العديد من الدلالات حول تنامي خطر القرصنة، ومن ثم زيادة ما تمثله من تهديد. فالسفينة تم اختطافها في المياه الدولية للمحيط الهندي على بعد حوالي 800 كم جنوب شرق مدينة "مومباسا" الكينية أثناء اتجاهها للولايات المتحدة عبر رأس الرجاء الصالح على الحافة الجنوبية لقارة إفريقيا، ما يعني توسيع القراصنة المجال الجغرافي لعملياتهم حيث لم تعد قاصرة على نطاق جغرافي محدود. وتشير هذه الحادثة أيضا إلى ما يمتلكه القراصنة من قدرات تمكنهم من اختطاف ناقلة نفطية ضخمة يصل طولها إلى حوالي 330 ألف متر وسعتها حوالي 318 ألف طن، وتحمل على متنها مليوني برميل نفط أو حوالي 25% من قيمة الإنتاج اليومي للملكة العربية السعودية تقدر قيمتها بحوالي 100 مليون دولار. وتواكب ذلك مع اختطاف القراصنة كلا من سفينة الشحن "ديلات" التي تحمل علم هونج كونج متوجهة لميناء بندر عباس الإيراني، وسفينة الصيد التايلاندية، وتم اقتيادهما بواسطة القراصنة إلى ميناء "هاردير" الواقع على بعد 400 كم شمال العاصمة الصومالية مقديشو. تصاعد عمليات القرصنة هذه الحوادث تأتي في إطار تصاعد عمليات القرصنة قبالة السواحل الصومالية، حيث تشير إحصاءات المكتب البحري الدولي إلى أن عمليات القرصنة قد وصلت إلى حوالي 85 عملية قرصنة بحرية منذ بداية العام حتى نوفمبر 2008، تم الإفراج عن غالبيتها نظير فدية مالية، فيما عدا 12 سفينة لم يتم الإفراج عنها من بينها السفينة البحرية الأوكرانية "فاينا" التي كانت تحمل على متنها أسلحة روسية الصنع من بينها 33 دبابة من طراز تي -72 كانت متجهة إلى كينيا وتعرضت للاختطاف في 25 سبتمبر 2008. بينما قدرت مكاسب القراصنة من جراء عملياتهم خلال عام 2008 بحوالي 30 مليون دولار هي إجمالي مبالغ الفدية التي دفعتها شركات الملاحة الخاصة للقراصنة الذين احتجزوا سفنا مملوكة لها حتى أكتوبر 2008. وقد أكد مكتب الملاحة البحرية الدولي في أغسطس أن السواحل الصومالية تعد الأخطر على مستوى العالم خلال الربع الثاني من عام 2008 متخطية بذلك إندونيسيا ونيجيريا، نظرا لوقوع حوالي 24 عملية قرصنة بحرية قبالة السواحل الصومالية من إجمالي 62 عملية قرصنة بحرية وقعت على مستوى العالم خلال تلك الفترة. أسباب متعددة ويعود ذلك التصاعد في عمليات القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية إلى عدة أسباب رئيسية تتعلق بداية بالانهيار المؤسسي للدولة الصومالية منذ تسعينيات القرن العشرين، وهو ما يستدل عليه بتصدر الصومال لتصنيف الدول الفاشلة على المستوى الدولي لعام 2008 الوارد بدورية "السياسة الخارجية" الأمريكية في عددها لشهر أغسطس 2008، واحتلال الصومال المرتبة الأولى في هذا التصنيف بمجموع نقاط بلغ حوالي 114.2 متخطية السودان التي جاءت في المرتبة الثانية والعراق الذي تراجع تصنيفه إلى المرتبة الخامسة عام 2008. ويعود هذا التصنيف إلى تردي الأوضاع الأمنية في الصومال الوطنية القادرة على السيطرة على كافة أرجاء الإقليم الصومالي، ومن ثم لا يتجاوز الإنفاق العسكري الصومالي نسبة 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي. ويمكن اعتبار الحرب الأمريكية على الإرهاب أحد أسباب تصاعد وتيرة عمليات القرصنة البحرية نظرا لتركيز إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش على محاربة التنظيمات الإرهابية دون أن تضع في اعتبارها وجود عصابات للجريمة المنظمة هدفها الربح مثل شبكات المافيا وغسيل الأموال والاتجار في البشر والقرصنة. ومن ناحية أخرى فإن قيام الولاياتالمتحدة بإسقاط نظام "اتحاد المحاكم الإسلامية" في الصومال من خلال دعم التدخل العسكري الإثيوبي على أثر تعثر المفاوضات بين ممثلي تلك المحاكم والحكومة الصومالية الانتقالية، قد أسهم بصورة مباشرة في عودة عمليات القرصنة البحرية. فقد نجحت المحاكم خلال فترة سيطرتها على الصومال في فرض النظام وتحقيق الأمن في غالبية الأقاليم الصومالية، فضلا عن تصديها بقوة للقراصنة، وهو ما أقر به "جيسون ماكلور" المحرر بمجلة النيوزويك الأمريكية في عددها الصادر يوم 9 سبتمبر 2008. هذا التدخل الأمريكي أدى إلى عودة التناحر بين الميليشيات الصومالية على السلطة من جديد، وهو ما استغله القراصنة الذين استطاعوا السيطرة على مواني السواحل الصومالية، وخاصة ميناء "آيل" بإقليم "البونت لاند" التي أضحت مرتكزا لعملياتهم على الرغم من أن عددهم، وفق تقديرات المكتب البحري الدولي، لا يتجاوز 1200 فرد. قناة السويس وخطر الإغلاق أسفرت عمليات القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية وخليج عدن بطبيعة الحال عن عدة تداعيات سلبية على الأمن الإقليمي للمنطقة العربية، وهو ما يتضح في ثلاثة مجالات رئيسية، على المستوى الاقتصادي والأمني، بالإضافة إلى قضية تدويل البحر الأحمر. فعلى المستوى الاقتصادي فإن عمليات القرصنة البحرية سوف تؤثر سلبا على الممرات البحرية الحيوية بالمنطقة العربية، وخاصة قناة السويس. فقد حذر رئيس المنظمة البحرية الدولية من أن تحويل السفن لمسارها يتطلب زيادة كمية الوقود الذي تستهلكه هذه السفن للمرور حول القارة الإفريقية بحوالي 750 طنا، ما يؤدي لانبعاث 2335 طنا من ثاني أكسيد الكربون. ولم تعد تهديدات القرصنة البحرية مقصورة فحسب على الملاحة عبر خليج عدن إلى قناة السويس وإنما امتدت إلى طريق الخليج العربي – رأس الرجاء الصالح، والذي استخدمته ناقلات النفط من دول مجلس التعاون الخليجي بكثافة في الآونة الأخيرة لنقل النفط إلى الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة. حضور غربي ومخاوف عربية وعلى الصعيد الأمني فإن عمليات القرصنة البحرية دفعت عددا من الدول الكبرى لإرسال وحدات من قواتها البحرية لحماية سفنها من هجمات القراصنة، بشكل قد يؤدي إلى تدويل أمن منطقة البحر الأحمر بصورة متصاعدة. واستندت هذه الدول إلى قرارات مجلس الأمن 1814 و1816 التي سمحت بدخول سفن حربية للمياه الإقليمية للصومال بموافقة حكومتها لمكافحة القرصنة البحرية، وهو ما أدى لتصاعد المخاوف العربية من ذلك التواجد العسكري الكثيف للقوات البحرية الدولية في منطقة تعد جزءًا من مجالها الحيوي الجيوستراتيجي. قرار آخر من مجلس الأمن، يحمل الرقم 1838، يسمح بمرافقة وتأمين السفن المارة في المياه الإقليمية للصومال وخليج عدن وخاصة سفن صيد التونة. أما التطور الأبرز على صعيد تدويل أمن البحر الأحمر، فتمثل في قيام حلف الناتو، في منتصف شهر أكتوبر 2008، بنشر سبع سفن تابعة للدول أعضاء الحلف، ما اعتبر استكمالا لسعي إدارة الرئيس بوش لتأمين تواجد عسكري أمريكي في إفريقيا، خاصة بعد تأسيس القيادة المركزية للجيش الأمريكي في إفريقيا "أفريكوم" في قاعدة عسكرية بجيبوتي تضم حوالي 1800 جندي أمريكي لمكافحة "الإرهاب" في الدول الإفريقية. في حين دعا السفير أحمد بن حلي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، في تصريح له يوم 27 أكتوبر إلى دعم المصالحة الوطنية في الصومال واستعادة مؤسسات الدولة الصومالية لسيطرتها على إقليمها باعتبار ذلك المدخل الرئيسي لتحييد تهديدات القرصنة البحرية. هذه التصريحات العربية تعكس إدراك المسئولين العرب أن تدويل أمن جنوب البحر الأحمر يحمل في طياته تداعيات كارثية على الأمن القومي العربي، ليس أقلها حرمان الدول العربية من السيطرة على حركة الملاحة في الممر المائي الذي تعد غالبية الدول المطلة عليه دولا عربية باستثناء إسرائيل وإريتريا بل قد تكتسب أطراف دولية حقوقا في المنطقة استنادا لقرارات مجلس الأمن التي خولتها استخدام القوة في مواجهة القراصنة والتي قد تستخدم للضغط على الدول العربية في حالة تضارب المصالح مع تلك الأطراف الدولية. ويصلح مصطلح الاحتواء الجغرافي للمنطقة العربية لوصف حالة المنطقة في حالة تدويل أمن البحر الأحمر، إذا ما استعرضنا خريطة التواجد العسكري الأجنبي على أطرافها ابتداءً بأفغانستان مرورا باختراقها بعد احتلال العراق عام 2003 وانتهاءً بالتواجد العسكري الكثيف قبالة السواحل الصومالية وفي مياه خليج عدن وإنشاء القيادة المركزية الأمريكية "أفريكوم" في جيبوتي. ومن ثم فقد بات على الدول العربية المعنية، وخاصة مصر واليمن والمملكة العربية السعودية وجيبوتي والصومال، التنسيق فيما بينها بشكل جاد للتعامل مع تلك التداعيات، وإذا لم يكن نشر قوات عربية مشتركة في جنوب البحر الأحمر ممكنا من الناحية العملية، فإن الخيار المطروح بقوة يتمثل في دعم استصدار قرار من مجلس الأمن يخول الاتحاد الإفريقي بالقيام بمهمة حماية السواحل الصومالية مع توفير الدعم المالي والتقني لتلك القوات، فضلا عن رعاية مفاوضات جادة بين الفصائل الصومالية، وتدعيم مؤسسات الدولة لكي تستعيد سيطرتها على مياهها الإقليمية.