جادت قريحة الشاعر السفير حسين فطاني بشعر في قبلة المسلمين أسماها (في الحنين إلى مكة): يا قبلة المجد في أعلى عواليها = ويا منى النفس يا أغلى أمانيها في ذكرياتك نعمى كلما خطرت = أحسست نشوة أيامي يناديها تلك الصبابات في سن الشباب لها = مباهج وهي أشواق نسميها تأثيرها في حنايا النفس متّصلٌ = تقاصرَ البعدُ أم طالت لياليها حسب الفؤاد أحاسيسا تلم به = في مهبط الوحي والإيمان يمليها لكلِّ جارحةٍ معنى تهيم به = تستودع القلبَ أسرارًا تداريها والمرءُ - ما عاش - فالآمال تدفعه = والنفسُ - ما رغبت - فالحبُّ يهديها وعز في الناس من عزت بلادهم = بما أشادوا لها أو شيدوا فيها ولا كمكة في الأمجاد من وطن = حاشا ولا مثلها أهل كأهليها وصية " المصطفى " عتاب يحفظها = للجيل صدقاً وللأجيال يرويها هناك للخلق العالي أرومته = فضلا وعلماً وأنساباً نزكيها الله يختار من يرضى لجيرته = أهلاً وجيرة رب البيت ترضيها ولدتُ فيها وأجدادي بها نشأوا = على هدى الله إجلالاً لباريها عروبةٌ هذَّبَ القرآن لُحمتَها = فهْو العروبةُ لو أمعنتمُ فيها بكلِّ قطرٍ به الإسلام لي نسبٌ = دعاة صدقٍ أقاموا في أقاصيها يرون مكّةَ في حِلٍّ ومرتَحلٍ = وفي صلاتهمُ لله صلَّوها وجوههم نحو بيت الله مقبلةٌ = وحيث كانوا فشطرَ البيت ولَّوها للدين ما علموا للعدل ما حكموا = شريعةُ الله لا عدلٌ يجاريها رأته ينظر للعلياء مبتهلاً = فودعته وهامت في تناجيها وفي مناجاتها ألقت بنظرتها = في المهد أن به طفلاً يواسيها رأت به وجه اسماعيل مؤتلقا = وشفها الغيب عن وعدٍ يواتيها رأت بعينيه وعدا صادقا وهدى = وشاهدت حوله أمنا يُهدّيها وفي غضون الليالي فوق غربتها = يشح حتى قليل الماء يرويها والطفل يبكي وتبكي الأم مرحمة = لو يشرب الدمع أسقته مآقيها سعت لهام الصفا للماء تنشده = أو أن سيارة تجتاز واديها فلم تجد أثراً في الأفق فانحدرت = تسعى إلى المروة الأخرى لتعلوها عادت وجاءت وراحت وهي مؤمنة = بأن من قسّم الأرزاق يدريها ورغم إيمانها بالله ما احتسبت = بأن أقدام اسماعيل ترويها فثم نبع بكاء الطفل فجّره = ورحمة الله موقوت تجليها وتلك دعوة إبراهيم لا عجب = إذا الكريم تولى أمر داعيها وتفتدي أم اسماعيل هانئة = ومكّة بظلال النور تغريها والطفل لمَّا يعد طفلاً فقد نضجت = قواه فهماً وإيماناً بباريها وبعد حين خليل الله يقصدهم = ليرفع النعمة الكبرى لمعطيها ***** رؤى النبيين وحي في حقيقتها = مهما تناهى الفدا فالله يعنيها نادي "فتاهُ" لنمضي نحو غايتنا = فإن لي بعض أسرار سأبديها بُنيَّ إني أرى في الحلم تضحية = أن أذبحنكَ فأنظر ما ترى فيها أجابه نفذ المقدور ذي عنقي = أطح بها إنها لله أهديها وحين همَّ يناديه العليم به = يكفيك قد صَدُقتْ رؤياك فأفديها وجيء بالكبش وارتاحتْ لمذبحه = ملائك الله والدنيا وما فيها وهلل الكون بالعيد الذي هبطت = به العناية في أحلى تساميها يشف جوهرها عن كل تضحية = تفيض أعماقها عن حكمة فيها ***** وجاء دور بناء البيت فارتفعت = قواعد البيت إبراهيم يعليها وقام يدعو وإسماعيل يتبعه = وفي دعائهما البشرى أذاعوها ببعثة المصطفى للناس قاطبة = يهدي إلى الله بالأخلاق عاليها وعزّتْ العرب بالهادي وبعثته = من ينكر النور أعمته مضاويها الله يشهد والهادي يؤديها = يا خاتم الرسل يا من أنت أفضلهم يا سيد الخلق يا من أنت هاديها = إلى صراط بباب الله متصل بجنَّة الخلد فأنعم في أعاليها