ازدادت في السنوات القليلة الأخيرة بشكل ملحوظ ومزعج مشكلة الاختناقات المرورية وسوء قيادة سائقي السيارات ( الذكور طبعاً ) بمختلف فئاتهم العمرية من مواطنين ومقيمين ، وعدم إلتزام الكثير جداً منهم ( إلاَ من رحم ربي ) بالأنظمة والقوانين المرورية أولاً ، ومهارات القيادة ثانياً ، وبآدابها ثالثاً . حتى أصبح السائق للأسف رمزاً للتفنن في طرق خرق القوانين والأنظمة وذلك كما حصل في دبي الشقيقة من طمس لوحات السيارات السعودية من قبل أصحابها المسافرين لدبي براً للسياحة , مما أضطر المسؤولون في هيئة سياحة دبي إلى دراسة ( تثقيف ) السعوديين بالأنظمة المرورية في الإمارات عن طريق رسائل نصية لهواتفهم المحمولة كما أفاد الأستاذ حمد بن مجرن مدير سياحة الأعمال بدبي . وبعدم الخوض في هذه المأساة إقليمياً وبالعودة لها محلياً وتحديداً مدينة جدة ، نجد أن من الطبيعي إزدياد عدد سكانها وتكاثرهم وإزدياد أعداد المهاجرين إليها من المدن الصغيرة والقرى المحيطة بها دون أن يقابل ذلك توسع سريع في الطرق والشوارع يتماشى مع ذلك الإزدياد مولد رئيسي لإزدحامات وإختناقات مرورية بل وإختلافات في مستويات الوعي ومهارات وأساليب القيادة , وأيضاً يظهر جلياً للعيان أن سوء سفلتة معظم الشوارع وكثرة مشاريع البنية التحتية سبب رئيسي آخر للمشكلة . ولكن بالإضافة إلى ذلك ، هناك أسباب أخرى قد يراها القليل أنها ثانوية ، ولكنها في رأيي المتواضع ساهمت في حدة المشكلة وفي ظهور حالة تدني القيادة السليمة ، وهنا سأحاول إيجازها في نقاط مع تقديمي لبعض الحلول التي أتمنى أن تساهم في التخفيف من حدتها وتزيد من كفاءة السائق المواطن والمقيم . 1- قلة وعي وأحيانا جهل السائقين الوافدين والمقيمين بل والمواطنين بقوانين وأنظمة وآداب القيادة السليمة ، والتي إن وجدت عند بعضهم فهم لايطبقونها لقناعتم التامة بعدم جدواها في ظل أن السواد الأعظم لايلتزم بها ، ويُتهم ويُنعت الملتزم بها بالساذج أحياناً أو بالحالم بمثالية غير قابلة للتطبيق في أرض الواقع أحياناً أخرى . 2- كثرة مشاريع البنية التحتية وطول مدة العمل فيها وتنفيذها ، وما يلبث أن ينتهي مشروع الوزارة أو الشركة إلاَ وأن تأتي الجهة الأخرى بمشروع جديد في نفس المكان دون أي تنسيق بينهم أو محاولة الإشتراك بينهم في المشروع ، وفي النهاية يتم ردمه وإعادة سفلتته بأدنى درجات الإتقان بمختلف المقاييس . 3- ظاهرة تجمهر وإحتشاد الناس عند الحوادث المرورية تعرقل السير وتزيد من إحتمالية حدوث حادث آخر ، والعجيب بأنه نادراً ما نرى رجل من رجال المرور يمنع ويعاقب التجمهر أو أضعف الإيمان يحاول فك السير ويؤمن ويضمن سلاسة وحركة السير . 4- من المزايا التي تمتاز بها بلادنا عن شقيقاتها في دول الخليج والدول الإسلامية المجاورة هي إقفال المحلات التجارية أوقات الأذآن والصلاة مما يسبب تفضيل الغالبية العظمى من الناس الخروج لقضاء حاجياتهم ومشترياتهم بعد صلاة العشاء لتجنب حرارة جو فترة النهار ولعدم تمكنهن من إتمام جميع مستلزماتهم مابين فترة صلاة المغرب والعشاء والتي يستحيل أن تكون كافية في ظل كبر المساحة الجغرافية لجدة ولإزدحامها ، الأمر الذي أدى إلى وجود أكثر من ساعة ذروة ( رش آور ) واحدة في اليوم مثل معظم المدن العالمية والتي غالباً ماتكون الساعة الخامسة مساءاً ، ولكن نحن لدينا الساعة الثامنة صباحاً والخامسة مساءاً والتاسعة مساءاً ناهيك بالطبع عن إجازة نهاية الأسبو ع والعطل الرسمة والموسمية . 5- التركيز والتشديد على المخالفات الرئيسية مثل السرعة وقطع الإشارات الضوئية فقط من قبل الجهات الأمنية وأيضاً الوسائل الإعلامية وإهمال المخالفات الأخرى التي لاتقل أهمية مثل الدخول الخاطيء للدوار ، عدم الوقوف الكامل ( فل ستوب ) عند التقاطعات لاسيما الرئيسية ، عدم التقيد بالأسلوب السليم للدوران ( يوتورن ) ، والتجاوز من الخط الأصفر ( خط الطواريء والإسعاف ) في الطرق السريعة . ولكن مع ماسبق فليس من المستحيل عودة مدينة جدة إلى أن تكون مدينة رائعة تمتاز بشوارعها السليمة المنظمة وسائقيها الملتزمين كما كانت إلى حد ما في الثمانينات والتسعينات الميلادية. وهنا أذكّر ببعض الحلول البسيطة والمعروفة لدى معظمنا ولكني أسردها من باب التذكير كما قال سبحانه وتعالى ( فذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) . 1- إعادة تفعيل مدارس دلة لتعليم القيادة وزيادة فروعها وتوسيع أحجامها ودورها ، وذلك بإستقطاب الأنظمة والمناهج والسبل الحديثة والمتطورة في تعليم القيادة من الدول المتطورة عالمياً كدبي مثلاً ، (والتي أعتبر القيادة في شوارعها جزءاً لا يتجزأ من متعة الإقامة بها ) وأن لا يقتصر تعليمها وتدريسها للسائقين الجدد فقط ، بل يمتد لكل الفئات العمرية من الوافدين والمقيمين والمواطنين عند تجديد رخص قيادتهم مثلاً . وقيامها بالتعاون مع جهات معنية أخرى كوسائل الإعلام المتعددة والشركات الكبرى والبنوك والمدارس لإقامة حملات توعوية وتثقيفية لمنسوبي هذه الشركات والبنوك وإشراك المدرسين في المدارس بمختلف مراحلها التعليمية لتدريس هذه المادة الهامة والتي لاتقل أهمية عن أي نشاط تربوي تقوم به . 2- عدم تركيز استخدام كاميرات ( ساهر ) فقط للسرعة وقطع الإشارات الضوئية بل لابد أن يمتد مدى إستخدامها في الدوارات والتقاطعات ، بدلاً من إزالتها أحياناً أو وضع إشارات ضوئية فيها ، وأيضا توجيهها على الخط الأصفر في الطرقات السريعة مثل طرق المدينةالمنورة بعد مخرج المطار شمالاً وقبله جنوباً ، وطريق مكةالمكرمة – جدة السريع . 3- الإشراف المهني والعلمي من الجهات المختصة على جميع مشاريع البنية التحتية وإلزام القائمين عليها بمواصفات ومقاييس عالية وبمدة زمنية محددة لإنهاء المشروع . 4- قد يساهم كثيراً في تخفيف الإزدحام إيجاد وتفعيل خدمات توصيل للمنازل لمحلات الهايبر ماركتس والسوبر ماركتس أمثال الدانوب ومانويل وبنده خاصة أواخر وأوائل أيام الشهر وأواخر شهر شعبان ، بحيث يقوم المستهلك بالطلب والشراء عن طريق المواقع الإلكترونية لهذه المحلات علماً بأن عدداً من البنوك المحلية تقوم بتقديم هذه الخدمة التي أصبحت ضرورية في وقتنا هذا . 5- العمل على إنتاج برنامج إذاعي يذاع عن طريق إذاعة ألف ألف إف إم مثلاً في أوقات الذروة يهدف إلى إرشاد السائقين لطرق بديلة في حال وجود إزدحامات في الطرق والشوارع الرئيسية أو في حالة وجود حاث مروري لا سمح الله . 6- ثم أخيرا يأتي العقاب والجزاء لكل من يخالف الأنظمة كائناً من كان ، فبعد التعليم والتوعية والتدريب والمتابعة ، يأتي دور العقاب لكل المخالفات ولامانع أن يتم اعتماد طرق تحفيزية وتشجيعية للقيادة السليمة دون مخالفات كإيجاد تصنيفات لمستوى الالتزام أو إكتساب الملتزم لنقاط تخوله الحصول على تخفيض لرسوم تجديد رخصة قيادته أو حصوله مثلا على دقائق مجانية من إحدى شركات الإتصالات وذلك لتعزيز وحب الإلتزام بالقوانين والأنظمة المرورية الموضوعة من الدولة مشكورة لسلامة وأمان السائقين ومرافقيهم ، ولإيجاد بيئة قيادة سليمة وممتعة وراقية . مصرفي سعودي عضو الجمعية السعودية للإدارة وجمعية الإقتصاد السعودية twitter@RaiReda