في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات الميلادية كانت الصحافة النابضة في جدة تعيش أوجها وذروتها. كانت الليالي الثقافية التي تقام على هامشها تحمل روحاً متوهجة تعكس تنوع الحياة الحديثة في جدة وقتها. كانت تلك الليالي تقوم إما في دار مطبعة الأصفهاني، بعمائر باخشب المحاذية لمبنى وزارة الخارجية، حيث يجتمع محمد حسين زيدان بعزيز ضياء وحسن عبد الحي قزاز وعبد القدوس الأنصاري وياسين طه والأستاذ الوفدي المصري محمد مصطفى حمام، والشاعر طاهر زمخشري مؤسس مجلة الروضة للأطفال، ومحمد سعيد باعشن، وعبد الغني آشي، وكلهم رواد الأدب والصحافة في الحجاز في رعيله الثاني والثالث المتوهّج. أو في مقر صحيفة البلاد في عمارة باخشب أيضاً، حيث أمين عبد الله قرقوري ومحمد عمر توفيق وحسن قزاز.. يختلفون إلى مجلس رئيس التحرير محمد حسين زيدان إلى جانب عزيز ضياء ومحمد الصباحي وضياء الدين رجب وياسين طه وعبد الله عريف قادماً من مكة.. كان الزيدان يدير مجلسه اليومي بكل أناقة ولياقة وكاريزما متوهجة. واستمر من بعده على نهجه عبد المجيد شبكشي، حيث لعبت مؤسسة البلاد كمؤسسة صحفية عملاقة، دوراً وطنياً رائداً كلسان حال الأدب الحديث وكمعقل للقيم الوطنية الحديثة، واستنبتت من أروقتها أغلب شُبان الصحافة الصاعدين حينها: عبد الله خياط وعبد الله جفري وعثمان مليباري وعبد الله الداري وسباعي عثمان ومحمد صادق دياب وحامد عباس وحسن الظاهري والكثيري والكاتب الشعبي والرسّام الصحفي يحيى باجنيد، والخطاط باحاج. وتشغل عمارة باخشب موقعاً مركزياً متوهجاً في ذاكرة المدينة والأهالي، حيث كانت أولى العمائر التجارية العصرية، وأكثرها حيوية.. كانت تضم نخبة ممتازة مثل مكاتب أرامكو، والخطوط السعودية حيث احمد صلاح جمجوم مدير الخطوط، والقيادات الذهبيّة: شهاب عبد الجواد، كامل سندي، حمزة دباغ ورضا حكيم، حيث كانوا يجتمعون حول الراديو في الخميس من أول شهر للاستماع لحفل أم كلثوم حيّا على الهواء. (مجموعة جدة وأيامنا الحلوة)