نظام العسس نظام إسلامي قديم وهي لفظة مشتقة من العس، وهو التفقد لشيء ما والحرص عليه، وأتذكر رجل العسة جيداً حينما كنت صغيراً في الرياض؛ وله صافرة إنذار يطلقها في الحي بين الفينة والأخرى، كانت تضفي نوعاً من الثقة والطمأنينة لدى السكان؛ وهو رجل من البيئة معه هراوة يستعملها للتخويف فقط؛ ومهمته حراسة ممتلكات الناس بأنواعها، سواء أكانت حوانيت أو سيارات أو غيرها؛ وكان مرتب العسة ضئيلاً لا يكاد يكفيه زاداً لأولاده، لكنه مصدر رزقه الوحيد، وقد فطن أصحاب الحوانيت لذلك، فكانوا يكرمونه بشيء مما تجود به أنفسهم؛ مع تطبيق المثل القائل (افطن للدكان واحرص عليه)، وكانت الجريمة آنذاك قليلة الانتشار في المدن معدومة في القرى لسبب بسيط، وهو أن السكان أكثرهم من المواطنين، أو المقيمين الذين تعودوا على حياة أهل البلاد، كما كانت المشاكل قليلة والقناعة كثيرة، لكن قد يظهر أحياناً لصوص آخر الليل الذين يسرقون شيئاً من الحوانيت أو السرقات البسيطة؛ وهؤلاء الحرامية يعرفون أنواع العسس وأماكنهم؛ فالعسة اليقظ لا يقتربون من الحي الذي يحرسه؛ بل يتجهون للعسة الذي يغالبه النعاس، وصافرته في فمه يطلقها كلما غالبه سلطان النوم، وحينما ننظر اليوم في حياة المدن فسوف نجد أنها قد اتسعت كثيراً وترامت أطرافها في كل الاتجاهات، بما يصعب مهمة العسة في حراستها على قدميه كما كان الحال في السابق؛ وقد تفنن اللصوص في اختراع أساليب جديدة في السرقات، بحكم أن لديهم مهارة فائقة في هذا الفن؛ فلا مكان للعسة القديم بصافرته القوية، غير أن عودة العسة من جديد شيء أصبح حتمياً وضرورياً لأسباب كثيرة منها: أمني واقتصادي واجتماعي وغيره؛ فتكثيف رجال الأمن في الشوارع الخلفية يساعد على تقليص السرقات والحد من الجرائم، خاصةً سرقات السيارات التي تقف أمام البيوت ليلاً ثم تُفقد عند الصباح؛ وليس في مقدور كل ساكن بيت أن يدخل سيارته معه في سكنه، لأن أغلب بيوت متوسطي الحال صارت أقفاصاً صغيرة يتزاحم فيها أهل البيت والخادمة والسائق معاً؛ وذلك بعد اختراع ما يسمى ( الدبلكس السكني ) . صفحة " Salwa AK "