اختتمت بالعاصمة الماليزية كوالالمبور مساء أمس الندوة العلمية عن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - للحوار بين أتباع الأديان والحضارات التي تنظمها الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وتستضيفها الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. وعقدت الندوة في ثلاث جلسات استعرضت الأولى منها ورقة عمل رئيسة بعنوان "مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات - آمال وتطلعات" لمعالي مستشار خادم الحرمين الشريفين والأمين العام المكلف لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات فيصل بن عبدالرحمن المعمر، وضمت الجلسة بحثاً بعنوان "جولات الحوار بين الأديان والحضارات التي قادتها المملكة العربية السعودية: الأهداف، والنتائج" لوكيل الجامعة الإسلامية للتطوير للدكتور محمود بن عبدالرحمن قدح استعرض خلالها ضرورة الحوار للتعايش والتعارف بين الناس وتبادل المصالح بينهم. وأشار إلى أن الحوار عند المسلمين واجب ديني ومسلك أخلاقي ومنهج دعوي وإصلاحي، مؤكداً أن المملكة العربية السعودية منذ نشأتها وهي تدعو للحوار من منطلق هويتها الإسلامية ورسالتها النبيلة منذ عهد المؤسس والذي سار على نهجه أبناؤه البررة بالدعوة إلى الحوار عهداً بعد عهد حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - الذي أرسى دعائم الحوار الوطني ثم تبنى الدعوة للحوار بين الأديان في مبادرة عالمية لقيت القبول والترحيب. بعدها قدمت ورقة عمل حول "الحوار مع الشرق حوار أفراد أم حوار مؤسسات دينية" لعضو هيئة التدريس بالجامعة الوطنية بماليزيا الدكتور فضلان محمد عثمان لفت النظر فيها إلى أن الحوار يعزز مبدأ التعاون على البر والتقوى ونبذ التعاون على الإثم والعدوان وذلك عن طريق الحوار الهادي بين العالم الإسلامي وبقية الأديان، مستعرضا بعض الأمثلة الحية التي عاشتها دولة ماليزيا في الحوار الحضاري. ثم طرح عميد شؤون الطلاب بالجامعة الإسلامية الدكتور سليمان بن عبدالله الرومي بحثاً عن "الخطاب التاريخي لخادم الحرمين الشريفين في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتأصيل العلاقة بين البشر في منظورها الإسلامي" أكد خلاله أن خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - أدرك النتائج المفجعة التي تنتظر العالم إذا استمرت الجهات المتطرفة بمختلف توجهاتها في سعيها الحثيث لدفع العالم إلى الصدام والنزاعات والإلحاد والانحلال والتطرف لذا جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين من حرصه - رعاه الله - على مصلحة البشرية جمعا وتطبيق للنهج الإسلامي الصحيح. وفي بداية الجلسة الثانية قدم مستشار دولة رئيس الوزراء الماليزي للشؤون الدينية الدكتور عبدالله زين بحث بعنوان "منهج الوسطية طبقاً للتجربة الماليزية" بين فيه علاقة ماليزيا بالإسلام ووسطيته وتسامحه علاقة ضاربة جذورها ضاربة في تاريخ مع وجود الاستعمار الذي استمر لعدة قرون من محتلين مختلفين ومع بداية الاستقلال أكد الماليزيون على هذه المبادئ الأصيلة ونصوا على ذلك في دستورهم، مشيرا إلى أن الحكومة الماليزية الآن تقوم بإعداد لإنشاء معهد الوسطية الماليزي الذي سيركز على الجانب التطبيقي أكثر من النظري. ثم قدم وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية الدولية الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز الهزاع بحثاً عن "دور وسائل الإعلام في دعم الحوار بين أتباع الأديان والحضارات"بين فيه أن وسائل الإعلام التقليدية والحديثة هي في واقعها نوافذ مفتوحة على مدار الساعة يستطيع المرء أن يطل من خلالها ليرى ما لدى الآخرين من حراك اجتماعي وأخلاقي ليوسع مداركه ويثري توجهاته وآماله كما أنها تتيح المجال لتخطي العقبات وتقريب المسافات بين أتباع الأديان عن طريق التواصل الاجتماعي وعبر التواصل الإعلام التقليدية. وبين الهزاع أن وسائل الإعلام لها دور كبير في التقريب بين أتباع الأديان وأيضا يلقي بمسئولية كبيرة على العاملين في هذه الوسائل، مشيراً إلى ضرورة تحري الدقة والموضوعية والبعد عن كل ما أثير من انتقادات و إساءة للأديان الأخرى وأتباعها. بعدها قدم نائب مدير الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا الدكتور عبدالعزيز برغوت بحثاً عن "إعادة بناء جسور التعاون بين العالم الإسلامي والغرب في ضوء الإسلام الكبرى: الأسس والقيم" استعرض خلاله إعادة بناء جسور الحوار الحضاري بين العالم الإسلامي والغرب في ضوء قيم التعارف والتدافع الإيجابي بديلا عن التناحر والصراع المفضي إلى انفراط اللحمة البشرية والإخلال بمتطلبات البناء الحضاري المتوازن. عقب ذلك قدم كلا من وكيل الدعوة بالجامعة الإسلامية بالمدينة الدكتور سعود بن عبدالعزيز الخلف بحثاً حول "المبادرات السعودية للحوار والنقلة النوعية للعلاقات الإنسانية من صدام الحضارات إلى حوار الحضارات"، وبحث بعنوان "الأبعاد الإستراتيجية للمبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان" قدمه عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة الدكتور محمد بن عمر فلاته. وفي ختام الجلسات أشاد المشاركون في الندوة بدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، مثنين على جهوده ومبادراته الرائدة في عقد مؤتمرات ولقاءات الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات في كل من الرياض ومدريد وسويسرا ومن فوق منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وما كان لها من أثر بالغ في تأصيل الهوية الحضارية الإسلامية وبيان حقيقة الإسلام وقدرته على التعايش السلمي مع أتباع الأديان الأخرى، ورفض نظريات حتمية الصراع بين الحضارات والثقافات، والتحذير من خطورة الحملات والممارسات التي تؤدي إلى تعميق الخلاف وتقويض السلم والتعايش بين الشعوب. كما أكد المشاركون في الندوة على المبادئ التي تضمنها الخطاب التاريخي لخادم الحرمين الشريفين - أيده الله - في الأممالمتحدة، المتمثلة في مبدأ المساواة بين البشر في القيمة الإنسانية، وإقامة العدل، وإعلاء الأخلاق والقيم الفاضلة، والتأكيد على مبدأ الحوار وتفعيله بين الشعوب، ونبذ التعصب والإرهاب وأن تطبيق هذه المبادئ في العلاقات بين الأمم والشعوب له آثاره الإيجابية على العالم واستقراره وسيادة الأمن والسلام وتحقيق الحياة الكريمة للمجتمعات الإنسانية، مشيرين إلى ضرورة قيام المؤسسات العلمية والإعلامية في العالم الإسلامي بترسيخ المبادئ التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين والتواصل مع الجهات المماثلة في العالم في هذا الشأن لصناعة رأي عام عالمي يؤمن بهذه المبادئ ويدفع الجهات ذات القرار لتطبيقها واعتبارها. وأوصى المشاركون في الندوة بتضمين مادّة الحوار في المناهج الدراسية لتكون وسيلة لنشر مبادئ الحوار وآدابه في المجتمع، وجعله طبعاً من طباع المجتمع وأسلوب حياة، وحث الحكومات والقطاع الخاص على إنشاء قنوات تلفزيونية ومواقع الكترونية تهتم بموضوع الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، يشرف عليها هيئات شرعية وتدعو إلى توجيه المؤسسات والمنظمات الخيرية والدعوية في العالم الإسلامي إلى إبراز البعد الإنساني للإسلام في نشاطاتها المختلفة على مستوى العالم، والى تكثيف المؤتمرات والندوات والملتقيات الحوارية بين أتباع الأديان والثقافات على جميع المستويات العربية والإسلامية والعالمية التي تبرز وسطية الإسلام وسماحته واعتداله وعنايته بالكرامة الإنسانية، وفي القضايا المهمّة التي ترسخ التعايش السلمي بين الشعوب. وأدان المشاركون في الندوة مع الاستنكار وبشدة بالإساءة التي تعرض إليها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا والإسلام عموما، مثمنين مناشدة خادم الحرمين الشريفين عقلاء العالم للتصدي لكل من يسيء للديانات السماوية والأنبياء والرسل ويدعون المنظمات والمجتمع الدولي إلى إصدار وثيقة دولية تلزم الدول الموقعة عليها باحترام الأديان السماوية والأنبياء وتجريم الإساءة إليهما. وثمن المشاركون في الندوة التوسعة التاريخية للمسجد النبوي الشريف التي وضع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حجر الأساس لها قبل أيام، التي تعد ترجمة عملية لنصرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والرد على المسيئين إليه والى الإسلام، مشيدين بالجهود الإعلامية الهادئة والهادفة لوسائل الإعلام السعودية وغيرها في نصرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وفي نشر الدعوة الإسلامية وتصحيح صورة الإسلام والمسلمين ودعم قضاياهم، ونشر فكر الوسطية والاعتدال والدفاع عن الحقوق العربية والإسلامية. كما أوصى المشاركون بتوقيع اتفاقية تعاون بين مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات وعددا من المؤسسات العلمية وخاصةً الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.