لا تختلف "الأحساء" بأجوائها الرمضانية عن بقية المحافظات والمدن بالمملكة، حيث تعود فيها بعض العادات والتقاليد المشهورة خلال هذا الشهر الكريم، التي تبدأ بالزيارات مروراً بتبادل الأطباق الرمضانية، وانتهاءً بحضور الفعاليات والمناسبات المتنوعة. ففي صورة بانورامية، تتحول حياة الأحسائي الرمضانية إلى يوميات نشطة من خلال حركته وسيره، ووجوده وانتشاره في الأسواق والمجمعات التجارية لقضاء احتياجات والمستلزمات الرمضانية من الأغذية المختلفة والأطعمة واللحوم، حيث يبقى " سوق القيصرية " بتصاميمه ومعماريته الجديدة السوق الأبرز الذي يقصده المتسوقون لشهرته الواسعة واحتوائه المستلزمات الشعبية والقديمة، وتلبيته لحاجات المتسوقين، فعبق الماضي لهذا الطراز المعماري، وتحفته الهندسية، وحلله القديمة، مازال يأسر قلوب الأحسائيين. وعلى الجانب الآخر من السوق تقوم بعض المحلات ببيع الفوانيس والمصابيح الملونة، التي تأخذ أشكالا متنوعة تشتهر ببيعها في هذا الشهر الكريم، لما فيها من دلالة على الأجواء الرمضانية، ونفثة من نفثات الروحانية الخاصة، حيث يقول محمد السلمان " إن الفانوس الرمضاني أصبح جزءا من حياتنا اليومية الرمضانية، نضعه أحيانا على مائدة الإفطار، ليضفي من خلاله جواً رائعا يسبب ارتياحا للجميع، والبعض الآخر يعلق هذه الفوانيس على أطراف المنزل، وهي عادة وإن قلّت في الآونة الأخيرة، إلا أن بعض البيوت مازالت تحتفظ بها وبغيرها من العادات والتقاليد التي تتناسب مع هذه الأجواء ". ولا يقف الأحسائيون على الأسواق والعادات الشرائية فحسب، أو ارتياد المطاعم الشعبية والاستراحات الترفيهية، فالرحلات البحرية والبرية أصبحت حياة أخرى تستمتع فيها العوائل والشباب لتناول وجبات الإفطار أو السحور، خصوصا عندما يكون الطقس معتدلاً والأجواء باردة ليلا في ظل حرارة الصيف الملتهبة، فشاطئ العقير أحد أبرز المعالم الطبيعة في الأحساء، لا تهدأ طرقاته من الحركة المستمرة، فنظرة واحدة على مدار الشاطئ يشاهد فيها عددٌ كبيرٌ من العوائل والشباب التي افترشت عدتها ولوازمها وأخذت مكانها للإفطار، مع إشعال نار هادئة جانباً تجهز فيه بعض المشروبات الساخنة كالشاي والقهوة، حيث توضع على الجمر لفترة زمنية قصيرة، وهي طريقة طالما اشتهر فيها الأحسائيون وبعض الدول العربية. في حين يفضل الآخرون الجلوس أعلى التلال الرملية، أو ما يعرف ب "الطعوس"، وهو ما تجده من خلال الخط الدائري الذي يربط القرى الشرقية بشاطئ العقير عبر طريق رملي كثيف يشق القرى بالشاطئ، حيث تجذب هذه "الطعوس" الرملية العديد من الشباب والعوائل للإفطار من مختلف المدن والقرى. وعلى الجانب الآخر تجد عدداً من الشباب لا تروق له تلك الرحلات البحرية والبرية، ممن يفضلون قضاء أوقاتا ممتعة بالمقاهي الشعبية المنتشرة بين المزارع والنخيل، وكذلك في الاستراحات التي تتفاوت في تقديم الخدمات لزبائنها، من المأكولات الشعبية، والمشروبات الباردة أو الساخنة، ويضفي على ذلك تبادل الحديث والأخبار، أو مشاهدة التلفاز، والدخول إلى عالم الانترنت ومناقشة الموضوعات الحياتية اليومية. ولا يخفى على الجميع تلك الموروثات والكنوز الشعبية، التي لازال يحتفظ فيها الأحسائيون، مثل ظهور " أبو طبيلة " كما يطلق عليه، و يقوم بالسير بين الأحياء والأزقة الضيقة، ودق الطبل بعصاته الغليظة، ليصل صوته خارقا الجدران، لإيقاظ النائمين لتناول وجبة السحور قبل آذان الفجر، وهذه العادات تعد من كنوز التراث التي تناقلت جيلا بعد جيل، وأصبحت علامة مميزة للشهر خصوصا لدى الأطفال الذين يستمتعون بمشاهدته وملاحقته مرددين معه بعض الأهازيج والأناشيد التي تأخذ طابعاً دينياً. وخلال " ليلة الناصفة " أي منتصف شهر رمضان ترى المشهد الأحسائي داخل الأزقة والأحياء مغايراً لبقية الأيام الماضية، حيث تتظاهر حشود الأطفال احتفاء ب " القرقيعان "، ويرتدون فيها الملابس الأنيقة والأزياء التقليدية، ويحملون أكياسا، يجوبون فيها الشوارع والأزقة، وهم يرددون الأهازيج الشعبية، ليحصلوا على نصيبٍ من الحلويات والمكسرات، وبعض القطع والهدايا النقدية، معبرةً عن هذه المناسبة الكرنفالية التي اشتهر فيها أهل الخليج، وتعد من الموروثات الشعبية القديمة، حيث تتزين البيوت بأجمل القطع والأقمشة خلال هذه الليلة، وتشعل الأنوار والإضاءات الخارجية تعبيرا عن الفرحة. ويرى باحثون أن " القرقيعان " سمي بذلك لأنه كان في الماضي عبارة عن سلة كبيرة مصنوعة من سعف النخيل، تسمع فيها قرقعة الحلوى والمكسرات بداخلها، أو مأخوذة من قرقعة الأطفال للأبواب، أو من بعض الأدوات التي يستخدمونها وتسمع لها قرقعة. إلى ذلك لا تنقطع الأحساء خلال الشهر الفضيل عن إقامة الصالونات الأدبية التي اشتهرت فيها المنطقة كحركة دائبة للحراك الثقافي والأدبي على مدار العام، وفي إطلالة المشهد الثقافي الرمضاني لهذا العام تتنوع الأنشطة الثقافية في الصوالين والمجالس الأدبية، والنادي الأدبي، وجمعية الثقافة والفنون، واللجان الاجتماعية، والأندية الرياضية، من إقامة المحاضرات والندوات والأمسيات، كذلك بعض المراكز والجمعيات والمؤسسات الاجتماعية التي تقوم بنشر التوعية والثقافة العامة. ومن العادات الاجتماعية التي يتميز فيها الأحسائيون طوال الشهر الكريم ظهور تبادل الأطباق والأطعمة الرمضانية بين العوائل والأسر والجيران، وهي من العادات التي يحتفظ بها الأهالي ويعتبرونها جزءا تقليديا ونسيجا من حياتهم الاجتماعية، ودعماً للتكافل والتعاون الاجتماعي، ويسعى كل شخص أن يظهر طبق طعامه بصورة جميلة وشهية وبشكل جذاب، وبجودة وذائقة لذيذة، تتخلل بعض هذه الأطباق الزينة، ويتم توزيع هذه الأطباق قبل أذان المغرب، حيث بدأت عددٌ من القرى والأحياء في تخصيص يوماً كذلك للإفطار الجماعي، يدعون فيه جميع أهل القرية أو الحي، ويتكفل كل شخص بإعداد طبق واحد بحسب استطاعته. وتشتهر الأحساءبالعيون والبرك المائية الكبيرة، التي كان لها أثر في إضفاء أجواء رمضانية لمرتاديها، حيث كان العديد من الرجال والشباب يغسلون أنفسهم ويسبحون فيها قبل دخول رمضان، وهي عادة تتكرر سنويا، بيد أنها تراجعت في السنوات الأخيرة، ومن أشهر هذه العيون عين الحارة، والخدود، والجوهرية، وأم سبعة وغيرها من العيون. وتكثر خلال الشهر الكريم المسابقات والدورات الرياضية بالمنطقة من خلال فرق الحواري، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة ملاعب كرة القدم داخل المدن والقرى، وأصبح السائر في الطرق العامة أو الداخلية يشاهد هذه الملاعب المزروعة والمغطاة بالعشب الأخضر، مما ساعد على إقامة دورات رياضية قوية لكرة القدم، يتجمع حولها مئات الشباب من عشاق الكرة، حيث تم تصميمها بشكل رائع تدور حوله الشباك الحديدية، وتضيء جنباته الأنوار بصورة عالية، مما يلفت نظر المارة. ويحيي الكثير من سكان المنطقة خلال رمضان بعض العبادات التي تختص بهذا الشهر الفضيل، من صلاة التراويح والقيام، وبعض الأدعية والأذكار، وقراءة القرآن، فينظم البعض وقته لقراءة القرآن، أو مطالعة الكتب الدينية، والتواجد في المساجد، والعمل طوال الشهر في اللجان التطوعية، وكفالة الأيتام، وغيرها من النشاطات الدينية العديدة.