انطفأ البريق، وانكشفت اللعبة، ولم تعد هنالك احتفالات بذكرى قيام دولة فلسطين، ولم يعد السياسيون يتفاخرون بأهم إنجاز لهم، فالواقع يخالف التوقع، لتمر ذكرى إعلان قيام الدولة هذا العام بهدوء وصمت، فلا صخب ولا طبل ولا رقص ولا مهرجانات، فقد أدرك الجميع أن دولتنا على ورق، ولا دولة في المستقبل مع هذا الهجوم الاستيطاني المكثف، فالدولة تحتاج إلى أرض، والأرض صارت في حوزة المستوطنين الفرحين بالتنسيق الأمني. فمن هي الشخصية الفلسطينية التي طرحت فكرة الإعلان عن قيام الدولة قبل 25 عاماً؟ من هو المسئول الذي أقنع الآخرين بالفكرة، بعد أن أوحى إليهم بأنها أسرع الطرق لتحرير الأرض؟ من هو القائد الذي أسمهم في خداع الرأي العام الفلسطيني عشرات السنين؟ ومن هي الجهات الفلسطينية التي وزعت الوهم، وألهت الشعب في أكذوبة قيام الدولة؟ وأين هم أولئك الذين طبلوا وهللوا لمقولة:من تواجد في التاريخ سيتواجد في الجغرافيا، وأن بناء المؤسسات هو المقدمة لقيام الدولة، وأن الاحتلال سيجد نفسه مرغماً للاعتراف بالدولة؟ وأين هم الذين حددوا أيلول 2011، موعداً نهائياً لقيام الدولة؟ بل أين هي الدولة التي ضاع من أجلها الوطن، وذبحت المقدسات والثوابت تحت أقدامها، لماذا لم تقم الدولة حتى يومنا هذا؟ الوطن ليس حقلاً للتجارب، والأرض الواقعة في مطمع الصهاينة لا يصح التساهل بحق من أخطأ في تقدير قداستها، والذي أسهم في ضياع 25 عاماً من عمر القضية السياسي دون فائدة، يكون قد أسهم في تعزيز أركان دولة الصهاينة، وعليه يجب أن يحاسب نفسه على فشله السياسي، ويغرب عن ساحل القرار فوراً، وإلا فإن المحاسبة ستكون شعبية، وستكون التهمة هي التفريط بأرض الوطن عن قصد. في سجن نفحة الصحراوي صنعت ناياً من البلاستك، وكنت أعزف عليه يومياً لعدة دقائق، وقبل أن ينتبه السجان لمصدر الصوت، كنت أخفي الناي، وكأن شيئاً لمن يكن. ظل الناي رفيقي في سجني عدة سنوات، حتى 15 /11 /1988، عندما أعلنت القيادة الفلسطينية عن قيام دولة فلسطين. وقتها خرجت بالناي إلى باحة سجن نفحة، لأشارك السجناء حفلة الرقص الجماعي، فرحاً بقيام الدولة، لقد عزفت على الناي لقيام الدولة الفلسطينية تحت سمع وبصر السجان، وأمام مدير السجن الذي قال جملته المشهورة: أنتم سجناء أمن وفق القانون الإسرائيلي، وستظلون سجناء أمن (إسرائيل) حتى صدور تعليمات جديدة. بعد انتهاء فرح السجناء، أرسل مدير السجن ضباطه للقبض على الناي، فهذه الآلة الموسيقية البدائية ممنوعة، وتشكل تهديداً أمنياً لدولة (إسرائيل). لقد خسرت شخصياً الناي في 15 /11 /1988، ولكن شعبنا الفلسطيني خسر العزف على وتر المقاومة المسلحة القادرة على زلزلة أركان الصهاينة، وتحرير الأرض المغتصبة.