الفقد .. و مَن منًا لا يُوجعه الفقد ويدمي قلبه , لكنها إرادة الله جَل وعَلا. فمهما طال بنا الزمان أو قصر , لابد لنا من الولوج عبر تلك البوابة في يومٍ من الأيام. فالموت لا يعرف أحداً ولا يجامل أحداً وهو الحقيقة الوحيدة الراسخة في هذه الدنيا الفانية. فهذا طريق حتمي وسنسير عليه مُرغمين يوماً ما , وأسأل الله أن يُجمل طريقنا ويسخر لنا من يدعو لنا بعد موتنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه. كانت فكرة الكتابة عن الأديب الراحل الأب والصديق العزيز "فريد عبدالحميد سلامة" مؤجلة عندي إلى أن يرى النور كتابه القادم ، الذي أخبرني في يوم،فرحاً، إنه حصل على تصاريحه لكن القدر لم يُمهله الوقت ليحتفل به,ففوجئنا بتصريح عزاء ودفن للفقيد فريد,وانطفاً نوره ووهج حضوره في هذه الحياة الخداعة التي لا يؤمن جانبها. كان رحمه الله حريصاً على أن نشاركه فرحته بتدشين كتابه القادم عن الحجاز , لكن القدر لم يمهله أو يُمهلنا ،وما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حالٍ إلى حال. فاليوم أكتب والحزن يمليني مقالاً لا تُسعفني فيه الكلمات لأعبر وأرثي فيه هذا الرجل العظيم والصديق الصدوق الخلوق الذي أحبه كل من عرفه , فقد كان بمثابة الأب الروحي للجميع. وقد كنت أريد الكتابة والاحتفاء به بعد أن يرى النور كتابه لكن لكل أجلٍ آوان وأسأل الله أن يُيمن كتابه في الآخرة ويغفر له ويجعله في جنات النعيم. ماذا عساني أكتب وكيف أرثيك يا فريد ؟ والكلمات تهرب مني ولا أجد لها أي طريقٍ للمواساة بفقدك ! ماذا عساني أكتب و كيف أرثيك يا فريد ؟ وألم رحيلك أدمى قلوب مُحبيك بعد رحيلك؟ ماذا عساني أكتب و كيف أرثيك يا فريد ؟ وقد كنت الفريد بخُلقك وأدبك وشخصيتك التي أحبها كل من عرفك. فقد فقدناك وفقدت الحجاز رمزاً عظيماً لابن من أبنائها المخلصين ورجلاً مُحباً يهتمُ بها وقدم لها الكثير والكثير , فكيف تنساك الحجاز يا "روح الحجاز" وأنت منها ؟ لكن العزاء بأن القدر والأجل لا يستأذنان فلا نستطيع أن نستقدم ساعة أو نستأخرها , علنا نُودع بها أحباءنا ونرتب أنفسنا لما هو آت. تبقى إرادة الله فوق كل شيء , وبالرغم من هذا استوقفتني آخر كلمات دونها الفقيد "فريد سلامة" فكتب عن"لواعج الفقد"وكأنه بذلك يودعنا .. فقال:""نحنُ نعتقد حين نُغلق عين الميّت حال الوفاة .. بأننا نُغلق نظرته الأخيرة لتلك الفانية! والحقيقة .. أنّ الميّت يفتح ُ فوراً أعيننا بذاتِ اللحظة ، فنراجع ُ حساباتنا بكلّ شيء ! أيها الموت إنّكَ حياة." حمك الله "فريد سلامة" , ستبقى في ذاكرتنا عظيم , والعظماء لا يُغيبهم الموت يا سيدي .. بل يُبقيهم ويرسخهم في قلوبنا ما حيينا. فأرقد بسلام "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام". لن أنساك ما حييت وسأدعو لك دائماً إلى أن نلتقي في يوم لا فراق بعده. فمهما طال بنا الزمان أو قصر نحن قادمون .. قادمون.