هل يمكن القول إن عبارة "أدركته مهنة الأدب" أصبحت اليوم لا تحيل على المعنى الموجود في بطنها، وأنه يمكن القول إن مهنة الأدب باتت ليست مهنة الفقراء، بل أصبح الأدب أو أصبحت الكتابة عموماً تدر الكثير من الأموال؟ بالطبع هذا التساؤل الاستهلالي لهذه المقالة يبدو متفائلاً، وإذا لم يكن متفائلاً بالكامل، فهو نصف متفائل على الأقل، وهذه إشارة حسنة .نعم، الكتابة، تدر أموالاً (أو نصف أموال) - إن جازت العبارة . ترك نزار قباني العمل الدبلوماسي، وذهب إلى الشعر، ولم يذهب إلى تجارة والده الدمشقي . أسس صاحب "قالت لي السمراء" دار نشر في بيروت، وكما يقولون في المثل الشعبي "وضع رجلاً على رجل" وانكبّ على كتابة الشعر، وسجل أعلى نسبة بيع لكتب الشعر في مرحلته الوردية، وربما إلى الآن يشتري القراء كتب قباني بالكثير من الشغف، هذا بالطبع، إذا كانت عندهم بعض الأموال الزائدة بعد شراء الخبز . بالتأكيد لم يصبح نزار قباني مليونيراً من وراء الكتابة، ولكن من المؤكد أنه لم يعرف الجوع، والأغلب أنه عاش في نوع من الارستقراطية والرفاه، لكن نجيب محفوظ عرف الثراء من وراء قلمه ومن وراء نوبل، والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز عرف هو الآخر الثراء من وراء "مئة عام من العزلة" وغيرها من الروايات التي كتبها على حواف الكاريبي الفقير .دعك من نوبل وفلوسها الكثيرة، وابق معي في المحيط العربي الذي يقولون عنه إنه لا يقرأ، ففي الوطن العربي قفز محمد شكري من أكل الخبز الحافي إلى أكل أفخر أنواع الأسماك في المغرب بسبب رواية واحدة . نعم هذا أدركته مهنة الأدب، ولكنها جلبت له المال، والشاعر محمود درويش لم يكن في حاجة إلى وظيفة رسمية في منظمة التحرير الفلسطينية . كان بوسعه أن يشبع خبزاً وزعتراً ومجداً معنوياً ومادياً عن طريق الشعر، والشاعر المتميز في مسابقة شاعر المليون يصبح مليونيراً بقصيدة. من يقول اليوم إن الشعر والرواية والكتابة عموماً لا تطعم خبزاً؟ الكثير من الكتّاب الصحفيين المحترفين من العرب وفي الغرب يكتبون بالكلمة، وقد تصل ألف كلمة إلى ألف دولار . الكاتب العربي بوجه خاص شاعراً كان أم روائياً أم مفكراً أم صحفياً مهنياً يعاد الاعتبار إليه من دون أن يدري أن الكتابة هدية الله إليه، فهي مهنة، ولكن ليست على طريقة الجاحظ .