تصدرت أشكال العنف ضد المرأة أعمال مناقشات لجنة وضع المرأة في هيئة الأممالمتحدة وسلط المشاركون الذين قدموا من مختلف دول العالم الضوء على الانتهاكات التي تحدث بحق الفتاة والمرأة في مجتمعاتهم النامية والمتقدمة على حد سواء، الكل يسأل عن الأسباب والكل يبحث عن الحلول لهذه الظاهرة العالمية، التي تجاوزت مداها وتعددت أشكالها في بعض المجتمعات، وقلت نوعاً ما في بعضها الآخر نتيجة تكاتف أفراد المجتمع رجالا ونساء ولكنها موجودة وتأخذ مناحي شتى فمن العنف الجسدي إلى النفسي والجنسي ولكن العنف للأسف لا يقتصر على ذلك بل يتعداه إلى أشكال أخرى غير مرئية وبالغة الخطورة كالعنف الفكري الذي أشارت إليه إحدى الأخوات المشاركات في هذه الدورة في مداخلتها قائلة: إن العنف الفكري والروحي هو أخطر أنواع العنف ضد المرأة وهو المحرك الأساسي فيها ويجب التصدي له بكل قوة. لو أمعنا الفكر فيما قيل فعلاً هناك رابط بين الفكر الإنساني والمشاعر والاتجاهات والسلوك وما السلوك إلا نتاج للفكر وانعكاس له، ويتأثر الفكر باختلاف المؤثرات في البيئة التي يعيشها الإنسان، فمن واقع نشأته الأسرية والتربوية والاجتماعية يتشكل تفكيره ومعتقداته وقيمه وسلوكه وقد يكون العنف الفكري أحد إفرازاتها. يولد الإنسان صفحةً بيضاء ومن ثم تسطر فيها مختلف الخطوط والمعلومات المحيطة به من واقع الأحداث التي يعيشها وتنقلها حواسه تلقائياً إلى جهاز الرصد الذي خلقه الله سبحانه وتعالى داخله، وأول المصادر التي تسطر خطوطها في صفحته وتمده بما يحتاج إليه في هذه الحياة من معلومات أبويه فمن خلالهما يبني فكره واتجاهاته وقيمه ومعارفه وسلوكه وقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن التفاعل بين الآباء والأبناء بقوله:"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه".فالطفل الذي ينشأ في أسرة يشكل العنف جزءا من سلوكيات أفرادها، ويرى أمه وأخواته البنات يضربن باستمرار، يصبح العنف تجاه المرأة عاديا في حياته وسلوكه، خلاف الطفل الذي ينشأ في جو أسري قائم على الود والاحترام والحوار يعد سلوك العنف غير مقبول لديه، فالأسرة أساس الفكر والسلوك. كم من الأسر في مجتمعنا يشكل العنف الفكري جوهر سلوك أفرادها، وكم من المجتمعات يسودها العنف الفكري في هذا العالم المتنامي الأطراف؟ الإجابة على هذه التساؤلات صعبة لأن العنف الفكري لا يقتصر على سلوكيات الأسر بل يتعداها للسلوك العام في بعض المجتمعات التي قد يسود فيها في مختلف الظروف والأوقات لا فرق بين أوقات السلم أو النزاعات المسلحة والكوارث والحروب، والمتضرر الأول في الغالب هم الطفل والمرأة وهم أول الضحايا. والأمثلة في واقعنا المعاش حول العنف الفكري المتعدد الأشكال والوجوه والأنماط كثيرة فمن عنف الأفراد إلى عنف المجتمعات إلى عنف الدول وهلم جرا ويومياً تطالعنا الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي بمشاهد من العنف يلعب الفكر دوراً فيها.متى يتغير الفكر تجاه العنف ضد المرأة وتتغير في ضوئه حياة النساء والأطفال ليعيشوا في عالم أكثر أمنا وحبا وسلاما.