حينما يجلس كل منا مع كبار السن من الأمهات والجدات سواء كانوا فى عائلتنا، أو من المعارف أو الأصدقاء ويفتح معهم حوارا عن رحلة العطاء والعمل والجد والاجتهاد فى ظل ظروف اقتصادية وثقافية شبه قاسية، تسمع ما يطربك عن هذه الأم فى تاريخها الطويل كزوجة وأم ومربية لزوجها وأبنائها وأسرتها بالكامل، وكانت المرأة تخرج من مسؤولية والديها إلى مسؤولية أخرى وهى الزوج وتتبعه اقتصاديا واجتماعيا واضافة إلى أنها محدودة الثقافة والتعليم ولا تعلم من الحياة بعد خروجها من منزل والديها إلا عناية أسرتها من مأكل ومشرب وتربية أبنائها الذين لا يقل عددهم عن خمسة أبناء إلى إدارة منزلها بالكامل، والزوج لم يكن على عاتقة سوى المأوى الاقتصادى لأسرته والمرأة رغم كل ذلك وكل هذه الأعباء المعيشية محدودة الدخل إلا أنها أبرزت نجاحا كبيرا فى إدارة الأسرة القطرية ومخرجاتها من منزل وأبناء على درجة كبيرة من الوعى والتعليم والمسؤولية وهذا الأمر لم يستطع الكثير منا ان يتلاشاه أو ينكره بل على العكس الكثير منا يسأل والدته بصفة مستمرة كيف استطعت أن تقومى بكل ذلك بمفردك وأنت لا تملكين أى مقومات قوية فى الحياة؟ ولدرجة ان كل رجل يقبل على الزواج يتمنى أن تكون زوجته لديها نصف ما تملكه والدته من إدارة وعناية منزل وتربية الأبناء وزرع كافة القيم الاجتماعية والثقافية والتربوية فى نفوسهم، وأما الان فى ظل التحولات الاقتصادية والثقافية التى مرت بها قطر وصاحبت العديد من التغيرات على الأسرة والمرأة بشكل خاص، والتغيرات التى شملت أسرتها ومنزلها وأصبحت على درجة كبيرة من الثقافة والتعليم ومتحررة اقتصاديا وخروجها للعمل وبروزها فى العمل فكان له أثر كبير فى المؤثرات الداخلية على منزلها وأبنائها وزوجها بشكل خاص ولم تستطع المرأة أن تغطى كافة احتياجات الزوج والأبناء والمنزل. ولذا دخلت الخادمة كمهبة الريح على المجتمع والأسرة، وبداية دخولها كانت بمثابة معاونة لها فى البيت لا أكثر وأما الان ومع ضغوط الحياة اليومية وزيادة الدخل الاقتصادى أصبحت الخادمة تمثل عنصرا من العناصر الأولية بعدما كانت عنصرا ثانويا على مراحل سابقة وتغيرت المفاهيم المتعلقة بها من معاون فى الأسرة إلى عنصر لا يمكن أن تقوم أى أسرة من غيره فى الوقت الحالى، ولدرجة أصبحت المرأة قبل الزفاف تشترط توافر الخادمة أولا، وأصبح العديد من النساء لا تعلم شيئا عما يدور داخل المنزل ولا الأبناء وأصبحت الخادمة ملمة بما يحتويه المنزل أكثر من الزوجة وتجد العديد من الأزواج فى الوقت الحالى حينما يريد شيئا يرجع إلى الخادمة وليس للزوجة لالمام الخادمة بكل صغيرة وكبيرة واضافة إلى الدور الكبير الذى تلعبه الخادمة مع الأبناء منذ ولادتهم واكتساب الطفل اللغة التى تتحدث بها الخادمة والقادمة بها من بلادها وتكسر اللغة الأم عند الطفل وهى اللغة العربية واثارها على الهوية الثقافية للغة العربية .ومن جانب اخر أصبح الأطفال فى بداية أعمارهم مرتبطين ارتباطا وثيقا بالخادمة أكثر من والدتهم، ولدرجة وصل بنا الحال نرى الأبناء فى أحضان الخادمة ليل نهار وحتى فى الأماكن الترفيهية والمواعيد الصحية للأبناء لا ترى الأم بقدر ما ترى الخادمة مصاحبة له، وأين الأم ودورها الأساسى وناهيك عن كم المشاكل السلوكية التى يتعرض لها الأبناء واضافة إلى كم التكلفة المادية التى تستنزفها الأسرة على الخادمة لوصولها إلى قطر والتكفل بالمأكل والمشرب ويأتيك بالامكان مفاجآت منها وأضرار ولا تريد أن تكمل معك الفترة التى تم الاتفاق عليها فإما أن تهرب وإما تريد المغادرة بصورة مفاجئة وترغمك على ذلك وإذا لم تلبّ طلبها بالسفر فتوقع أى ضرر سوف يلحق بك قريبا اما فى بيتك أو أحد أبنائك وتضطر للرضوخ لطلبها، وما تم الاعلان عنه بافتتاح أكاديمية قطر لتدريب المربيات تحت مظلة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع ربما يخفف حدة المعاناة من الاثار السلبية التى أصبحت من المشاكل الأساسية بالأسرة القطرية ومعاناتها فى ظل الضغوط التى تعانى منها المرأة وخروجها للعمل واثار ذلك على الأسرة بأكملها مما يجعلنا نعيد أوراقنا من جديد فى تحديد وتحجيم الدور الفعلى للخادمات لانقاذ أبنائنا وهويتنا الثقافية والعربية ونحن قادرون على ذلك.