لا شك أن الأدب صورة منعكسة من البيئة. يمثل أفكار أهلها.. وحياتهم وأمانيهم. والأدب الحديث ما هو الا صورة من حياتنا. تعبر عن كتابات الأدباء والمفكرين. أو قصائد الشعراء. والمدرسة القديمة وكتابها لها أنصار كثيرون. فهناك من يهتمون إلى يومنا هذا بالمحسنات البديعية .. وأنواع الطباق والمجاز وما إلى ذلك من زخرف العبارة ويعتبرون هذا أروع أنواع الكتابة ضاربين بالفكرة عرض الحائط. بل إنك لتجد كثيراً من كتابنا الذين يبحثون ناحثة معينة أو يعرضون فكرة خاصة يدورون حولها. في دائرة كبيرة حتى يتعسر على القارئ في كثير من الأحايين أن يُلم بأطراف الموضوع وأن يعرف هذه الغاية منه ولا تخلو من هذه الميول. المقالات السياسية والاجتماعية بل والأدبية. أما كتاب المدرسة الحديثة فإنهم إلى جانب نزعتهم الكفرية المتحررة. تلك النزعة التي تدعو إلى القضاء على كثير من تقاليد الادب القديمة. فإنهم تحرروا أيضاً من الأساليب التي درج عليها الكتاب القدامى. فنراهم لا يعبرون الفظ والأسلوب وجمالها كثير عناية - بل يسعون إلى ابراز الفكرة في أبسط الكلمات. وأقلها. فالمدرسة الحديثة تدعوا إلى جو الموضوع والتقاضي عن اناقة الأسلوب .. وبين هؤلاء وهؤلاء ظهرت طبعة من الكتاب جمعت بين المدرسة القديمة والحديثة. وما يقال عن الأدب يمكن أن يقالا عن الشعر فللأخير مدارسه العديدة.. أدعاها إلى الاهتمام اثنتان. الأولى وهي المدرسة القديمة التي تنتهج نهج الشعراء القدامى من جاهلين وغيرهم أيام الدولة الاسلامية. وهي تعنى بالألفاظ الضخمة. والجناس. والطباق. ووصف مناظر الطبيعة وشتى المناسبات. والثانية هي المدرسة الحديثة وتعتمد على الكلمات السهلة. الجزلة وعلى ابراز النواحي الانسانية فتصور النفس البشرية والعواطف المتباينة التي تعمل فيها. وهذه المدرسة الحديثة يتزعمها في حاضرنا الأديب "أدونيس" الذي كثيراً ما تعرض من أجلها إلى هجوم عنيف حتى وصل الأمر إلى التشكيك في ديانته الاسلامية. في كثير من المجالس الادبية وصفحات الجرائد، هذه صورة من الحياة الأدبية في ايامنا هذه وأخيراً جمعتني الصدف بالشاعر السوري أدونيس. في القاهرة وفي هذا اللقاء دار حوار بيني وبين بعض الأخوة المثقفين السعوديين والمصريين والذين تجمعوا في مناسبة جائزة الشيخ محمد صالح باشراحيل.. وأدونيس تعرض أخيراً للانتقادات بمناسبة ترشيحه لنيل هذه الجائزة. فلقد وجهت اليه سؤالاً حول اتهام بعض الكتاب له بمهاجمة الدين الاسلامي فقال: لم يصدر منه على الاطلاق ما يسئ إلى الدين الاسلامي. ومن يحرضون ويؤولون ما أقوله لم يفهموا ما اعني. وأؤكد أن القرآن الكريم من وجهة نظري بالاضافة إلى أنه دستور اسلامي سماوي، هو أيضاً موسوعة ثقافية. ومعرفية كبرى تزخر بالكثير. الذي لم يعرف بعد. ومن القرآن عرج أدونيس إلى شخصية الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم. قائلاً: وشخصية النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لم تدرس. أو تبحث بشكل عميق إلى الآن. ولا يمكن أن يقتصر فهمنا لدوره صلى الله عليه وسلم على أنه حمل رسالة بلغ الناس بها. لهذا استولت الدهشة على الشاعر المصري اسماعيل عقاب الذي حرص على مصارحة أدونيس بما يكن له من مشاعر كرستها الافكار التي وصلت اليه.. فرد أدونيس في هدوء لست مسؤولاً عما وصلك، فأنا مثقف عربي مسلم مهموم بقضايا ثقافتي. وأمام هذا البيان الصريح من أدونيس بايمانه بالله ورسوله.. يجب أن يمتنع كل من وصفه بالالحاد فيقف على ما يقول الله تعالى في سورة النساء آية 93 "يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن القى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا. فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا أن الله كان بما تعلمون خبيراً".. صدق الله العظيم. هذه صورة من قديم آخذ في الزوال إذا لم نهتم به وحديث يدعو إلى نبذ الماضي وتناسيه. بأفكاره وتقاليده.. ونظمه. فلا عجب في زماننا هذا أن تعدد مدارس الفكر والأدب وتنفرد كل واحدة منها بطابعها الخاص. وميول أصحابها وعشاقها ومريديها. مكة المكرمة