لهث علي يوسف وهو يفك الحبل الذي قيد به فقد كان الأثيوبي الشاب محظوظا لخروجه من هذه التجربة بذراع مكسورة وحسب بعد أن قفز من شاحنة نصف نقل مسرعة ليهرب من خاطفيه الأسبوع الماضي. ويوسف واحد من آلاف الأثيوبيين الذين تغريهم وعود بحياة أفضل في دول الخليج الغنية بالنفط الذين وجدوا أنفسهم محاصرين في منطقة ينعدم فيها القانون ويسودها العنف على الجانب اليمني من الحدود مع السعودية. وقال يوسف وهو يظهر قروحا على كفيه إن القفز "كان يستحق المجازفة" وأضاف "أفضل الموت على أن أدعهم يمسكون بي." كانت المنطقة الحدودية بين اليمن والسعودية والتي يبلغ طولها 1800 كيلومتر دوما مكانا مقفرا خطرا يعاني من العواصف الرملية والجفاف ويزخر بمهربي الأسلحة والمخدرات. لكن تداعي سيطرة الحكومة وتدفق المهاجرين الذين يتركون منطقة القرن الإفريقي بسبب الجفاف والفقر والاضطهاد حولاها إلى جحيم إذ تتجول العصابات الإجرامية بحرية وتتاجر في المهاجرين كأنهم سلع. ويقول عمال إغاثة في حراز وهي مركز للمهربين على الحدود إن خطف المهاجرين للحصول على فدى أصبح ممارسة شائعة الآن. وقال علي الجفري وهو مسؤول لوجيستي بالمنظمة الدولية للهجرة التي تدير مخيما في حراز به ثلاثة آلاف أثيوبي ينتظرون ترحيلهم "الخطف والسطو والتحرش الجنسي جزء من الحياة اليومية هنا." وأضاف "أصبحت تجارة وصناعة في حد ذاتها." وعبر أكثر من 103 آلاف رجل وامرأة البحر الأحمر إلى اليمن عام 2011 مستغلين حالة الفوضى التي سادت البلاد بعد أن أجبرت احتجاجات شعبية الرئيس علي عبد الله صالح على التنحي والذي حكم البلاد 33 عاماً، وتقول مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين إن هذا العدد هو ضعف عددهم العام الماضي. وترجع زيادة الأعداد إلى تدفق المهاجرين من منطقة القرن الإفريقي وتقول مفوضية شؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة إن هذا يمثل واحداً من أكبر تدفقات اللاجئين لأسباب اقتصادية على وجه الأرض. وقال يعقوب الحلو مدير مكتب مفوضية شؤون اللاجئين للشرق الأوسط وشمال إفريقيا "ما تراه في اليمن هو مجرد قمة جبل الجليد... هذه تجارة مربحة .. تجارة إجرامية وتنمو." وقال كريس هوروود مدير أمانة الهجرة المختلطة ومقرها نيروبي إن الخطف أصبح تجارة مستقرة في سيناء وفي شرق السودان في الآونة الأخيرة. وأضاف "نسمي هذا تسليع المهاجرين." وقال "إنها مصدر سري مربح للأموال .. انتشار شبكات الهاتف المحمول وأنظمة تحويل الأموال التي تساعد المهاجرين على التواصل وتمويل رحلاتهم أصبح لعنة يستغلها المجرمون لابتزاز القليل الذي تبقى مع أفقر الفقراء." ونحو 75 في المئة من المهاجرين الذين يفدون إلى اليمن من الأثيوبيين وأغلبهم يتجهون إلى دول الخليج خاصة السعودية بحثاً عن عمل. وقال حسين ريجين سوري وهو أثيوبي نحيل كان يسير على الطريق الساحلي نحو الحدود السعودية إنه ترك زوجته وعمله وطفله الذي لم يتجاوز عمره تسعة أشهر في أديس أبابا. وقال سوري "ما أكسبه في شهرين من التدريس في أثيوبيا يجنيه أخي في أسبوع من عمله في تقطيع الخضروات بالرياض." وبالنسبة للأغلبية في اليمن - وهي دولة بها واحد من أعلى معدلات سوء التغذية المزمن عند الأطفال بعد أفغانستان - يمثل المهاجرون عبئاً ومنافساً آخر في صراع شرس على الموارد المحدودة. واستشعرت العصابات الإجرامية وجود فرصة إذ تخطف المهاجرين من على الطرق وتحتجزهم وتعذبهم لتحصل على فدى من أقاربهم الذين يعيشون بالخارج. وتتذكر عائشة سعيد اندريس (19 عاماً) كيف أطفأ خاطفوها سيجارة مشتعلة في ساعدها للحصول على رقم هاتف والدها بعد أن اشتروها من دورية حدودية يمنية. وأضافت عائشة قائلة لرويترز في حراز بالمستشفى الذي كانت تُعالج فيه من جروحها "وضعوا مرهماً في عيني .. ثم ضربوني في كل أنحاء جسدي بسلسلة معدنية." وتابعت بصوت متهدج "كانوا يتناوبوني... ثبتني واحد بينما اغتصبني الآخر .. ثم اتصلوا بوالدي في أثيوبيا وأبلغوه بأنه إذا لم يرسل لهم الأموال فسيقتلونني بالرصاص." ولم يتم الإفراج عن اندريس إلا حين فر مهاجر آخر وأبلغ الشرطة بمكانها. وتشعر المملكة العربية السعودية بالقلق بسبب تدفق المهاجرين بصورة غير مشروعة والمخدرات والأسلحة لهذا استثمرت مليارات الدولارات لتعزيز الحدود على مدى السنوات العشر الماضية. وبدأ إنشاء سور حديدي طوله 75 كيلومتراً عام 2008 ، وتم تركيب أضواء كاشفة وكاميرات حرارية وأسلاك كهربائية مما جعل المعبر الحدودي أكثر خطورة عن ذي قبل. وقال متحدث باسم وزارة الداخلية السعودية إن نصف مليون شخص يحاولون التسلل إلى البلاد سنوياً وإن حرس الحدود لا يفتحون النار إلا حين يتعرضون لإطلاق النار. وأضاف أن النظام الأمني على الحدود لا يختلف عن الدول الأخرى فمن يصلون يعادون إلى حيث أتوا. على الجانب اليمني من الحدود يسمح مناخ من التواطؤ والافتقار إلى الإرادة السياسية لاعتقال المهربين ومحاكمتهم بازدهار تجارة المهاجرين وارتكاب الانتهاكات بحقهم. أحمد ضابط بالجيش اليمني من حراز اكتفى بذكر المقطع الأول من اسمه هو واحد من مجموعة من مسؤولي الأمن اليمنيين الذين جمعوا ثروة من خلال مساعدة المهربين على نقل الأفارقة إلى السعودية. وفي دولة يعيش أكثر من 40 في المئة من سكانها على أقل من دولارين في اليوم يُدر تنسيق أحمد مع المهربين عليه نحو 20 الف دولار شهرياً. ولدى سؤاله عما إذا كان يتعرض لمشاكل بسبب نقل المهاجرين عبر نقاط التفتيش الحكومية ضحك قائلاً "أي نقاط تفتيش؟ هذه الدولة تُديرها قبائل وليس رجال شرطة... هؤلاء الناس أصدقائي." ورفضت وزارة الدفاع التعليق على الأمر، لكن السلطات المحلية في حراز تقول إن هناك تواطؤا بين حرس الحدود اليمنيين والمهربين لكنها لا تتمتع بالسلطة أو الأسلحة الكافية للقضاء على المهربين. وقال العقيد محمد أحمد نجد قائد شرطة منطقة حراز إن بالطبع هناك تسهيل وأضاف أنه ليست له سيطرة على حرس الحدود لأنهم يتبعون وزارة الدفاع. وأردف قائلاً إنه عند مداهمة منازل المهربين تواجه الشرطة مقاومة شرسة وإطلاق رصاص مشيراً إلى أن الأمر يُشبه مكافحة تمرد، وقال إنه مادام المهاجرون يتوافدون ويخطفهم المهربون فإنه ليس في يد الشرطة شيء لتفعله.