في أواخر عام ،1989 قال وزير الثقافة الفرنسي، آنذاك، جاك لانغ، إن ثلثي دخل تذاكر السينما في فرنسا يذهب إلى الأفلام الأمريكية، ورغم أنه وطوال تاريخ السينما الفرنسية كانت توجد قيود حكومية بل وحصص لاستيراد الأفلام الأجنبية بهدف رئيسي وربما يكون وحيداً: الحد من نفوذ الأفلام الأمريكية داخل فرنسا، فإن تلك القيود كانت موجهة فقط إلى عدد الأفلام المعروضة، وبالتالي فإنها كانت قاصرة عن معالجة الإقبال الكبير على الأفلام الأمريكية من خلال الأشرطة وأسطوانات العرض الممغنطة، ما جعل المسؤولين الفرنسيين عن الثقافة وكذلك الساسة يفكرون في إيجاد وسائل أشد فاعلية لتحقيق ما يصفونه ب "إنقاذ السينما الفرنسية" . وإذا كان الحديث هنا يدور عن بلد راسخ الثقافة والتقاليد الفنية مثل فرنسا، فكيف سيكون فيه الحال في ثقافات بلدان أخرى فقيرة وتعاني التهميش؟ ثمة مثال أخير: موسيقي ياباني شهير كتب مرة مقالاً في صحيفة أمريكية بارزة فحواه أنه داخل أمريكا لا أحد يشتري منتجات الثقافة الأجنبية، غير الأمريكية، فيما يشتري اليابانيون طوال الوقت الموسيقا الأمريكية . لا تتضمن مثل هذه الآراء بالضرورة موقفاً سلبياً من المنتوج الثقافي الأمريكي، وإنما تنبه إلى ذلك الخلل الكبير في عملية التبادل الثقافي على النطاق الكوني لمصلحة ثقافة واحدة، ما يعني طمس التعدد والتنوع في الإبداعات الإنسانية في مجالات الأدب والفن والموسيقا والسينما . بعض الأطروحات الفلسفية تحاول الترويج لانتصار النموذج الثقافي الأمريكي، عبر تصوير الثقافة الأمريكية، التي تُقدم على أنها في حالة حرب مع "الهمجيات" الآتية من الشرق، ولأن النصر معقود للحضارة المتقدمة، كما يحاول دعاة هذه الأطروحات الإيحاء، فإن التفوق الذي يحظى به نموذج الحياة الأمريكي المدعوم بشبكة اتصال هائلة ومتشعبة وبتدفق لا سابق له في الصور، يبدو طبيعياً، ولا يجب أن يثير حفيظة أحد . كان هيغل، الذي يبدو فوكوياما شاحباً أمامه، قد تحدّث في زمنه عن مثل هذه النهاية للتاريخ وهو يسوق للسلطات البروسية التي رآها كمال العقل والمنطق، وفي عهد الرئيس كنيدي في ستينات القرن العشرين أحاطت به مجموعة من أساتذة جامعة هارفرد في الاقتصاد والفلسفة الذين روجوا لانتصار الحلم الأمريكي الذي يتوج مسيرة البشر .لكن التاريخ لم ينتهِ عند هيغل ولا عند أساتذة هارفرد، ولن ينتهيَ اليوم ولا غداً .