عتبة الألم هو مصطلح للدلالة على قدرة نفسية تمكن الإنسان من احتمال الألم جسديا والتأقلم معه اذا تجاوزها وهي تختلف من إنسان الى آخر، وتختلف مع الوقت والسن والعوامل المحيطة، واذا تجاوز الألم هذه العتبة بدأ بالانعكاس على نفس المصاب وجسده الى أن يقوده لحتفه، وهذا ما يحصل في حالة المرضى النفسيين عندما تكون النفس سببا في إسقام الجسد وقد يقدمون على الإدمان والانتحار وغيرها لتجاوز الألم .وتختلف الشعوب في تعاطيها مع الألم فبعضها وجد الألم تحديا يجب كسره والتعامل معه، وبعض الأديان المصطنعة والمذاهب تجعل معتنقيها يمشون على النار والزجاج حفاة ويدخلون السكاكين والسيوف في أجسادهم وحلوقهم في تقليعات تجعل الناظر يشك أن العمل قدرة بشرية متفوقة أم رجس من عمل الشيطان! غير أن مصطلح عتبة الألم وأساليب تخطيه ليس مجرد فبركات، فالطب استحدث شيئا يعرف بالعلاج التلطيفي ومن قبله العلاج التأهيلي وهو الذي يمكن المرضى من التعامل مع أوضاعهم الجديدة وهو يشمل بالاضافة الى العلاج التقليدي علاجا غير تقليدي يرفع من كفاءة المريض النفسية في تقبل حالته ويزيد من مهاراته في التعامل مع البيئة المحيطة، وفي الغرب يركزون على الناحية العاطفية في تجاوز احساس الإنسان بالألم ويستعملون مصطلح : العناية، الحب والاهتمام للدلالة أن شيئا من البذل النفسي قد يساعد الإنسان حتى لو كان على سرير الموت على الابتسام لقدره. فالشهيد يبتسم لصلصلة السيوف والسيرة تذكر كيف تخيل أحد الشهداء مشهد استشهاده والرمح يخترق حلقه ولم يمنعه الألم من الإقدام بدون تردد لينجز الله له ما أراده بالطريقة التي تمناها. وليس كالدين في معالجة الآلام النفسية والجسدية ومساعدة الإنسان على تخطي المصائب كلها، فالله لا يكلف نفسا الا وسعها والوسع كلمة ممتدة فضفاضة قد تسع الأرض والسماء؛ لذا جاء في بعض الأثر «ما وسعتني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن»، فما يسعه المرء وما يتحمله يمكن أن يمتد ويزيد كلما زاد الإيمان والرضى والصبر، وها هو أحدهم يقول لصالح استغرب من صبره فيسأله على ماذا تشكر وقد عظم بلاؤك فأجابه أنه يشكر الله أنه أعطاه لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا وجسدا على البلاء صابرا. وتجاوز الألم رياضة نفسية وعقلية يمكن أن يتدرب عليها المرء ويزيد كفاءته فيها، فيجعل جسده يحتمل أضعاف قوته الحقيقية وقد كتب الدكتور أيمن العتوم في رائعته المريرة «يسمعون حسيسها» كيف يمكن أن يتعامل السجناء مع التعذيب ويتغلبوا عليه وهو الذي يجعل إرادتهم تنتصر على إرادة السجان، فقال على لسان بطل الرواية: «إياك أن تعد مع الجلاد سياطه، اقرأ ما استطعت من الآيات في التعذيب وبعده، لا تنهر نفسيا في أي مرحلة تذكر أنك الأقوى لأن قضيتك عادلة ولأن الظلم لا يدوم، نحن نتعافى من الآلام بتدريب النفس على نسيانها، أَضم قلبي الى عقلي وجسدي من أجل احتمال الألم، الرضى شرط العيش الأول والسخط هدر للأعصاب في محيط يحترف اغتيالها، الموجوعون ليس لهم الا الله، هناك دائما في الجحيم مساحة ضيئلة قابلة الى أن تنتمي الى واحات النعيم». النفس راغبة اذا رغبتها هكذا قال الشعراء ولكننا بشر نتألم للوجع ونبكي للفقد وتمرض أجسادنا من الهم والحزن ولذلك كان الرسول يتعوذ منه لما له من آثار سقيمة لا ينفع معها دواء ولا ينفع سأم النفس الا الإيمان بالله والركون اليه في الابتلاء، فأين يذهب المرء من الآلام التي لا يستطيع لها علاجا ولا دفعا الا الله؟ الى من يلجأ ولو كانت ذنوبه مثل ذنوب من قتل 99 نفسا ويحتاج الى معجزة وعفو رباني ليدخل في رحمة الله؟ بعض الآلام ليس لها من دون الله كاشفة ولا ينفع معه الا اقامة المذنب الذليل على باب الله ولذا نصح احد الصالحين «لا تسأم من الوقوف على بابه ولو طردت، لا تقطع الاعتذار ولو رددت، فإن فتح الباب للمقبولين فادخل دخول المتطفلين ومد اليه يدك وقل له مسكين فتصدق عليه إنما الصدقات للفقراء والمساكين». مع الله على عظم البلاء يترفق بنا سبحانه ويعفو عنا وعن كثير زللنا، هم البشر الذين يحاولون التدخل في أقدار الله هم من يزيدون الألم وخروجهم هو الرحمة بذاتها.جعلنا الله واياكم ممن ترق لهم النفوس والقلوب وتصح برؤيتهم وكلامهم الأجساد وتحلو معهم وبهم الحياة وتُنسى بذكراهم الآلام.