كم خطبة جمعة استقر هديها في نفسك وتأثر بها قلبك؟ وكم من المصلين أدركوا ما يقوله الخطباء واستوعبوا مضمون الخطبة؟ .أنا لا أقصد المصلين وإنما بعض الخطباء مع التقدير لشخوص وعلم الجميع، فللأسف يذهبون بعيداً بموضوعات لا تهم قضايا المصلين في شؤون حياتهم اليومية، ناهيك عن استخدامهم للغة جامدة وألفاظ ثقيلة لا تناسب البسطاء وهم كثر، وفيهم من لاينطقون بلسان عربي ويستخدمون لهجة هجينة يتداخل فيها المضارع بالماضي والمخاطب محل الغائب، ولا نفهمهم ولا يفهموننا إلا بها حتى في بيوتنا، فكيف بخطبة الجمعة التي يجب أن تلقى بلغة جزلة وبلاغة تراثية تناسب قاعات الدرس لا عامة الناس. أيضاً الإطالة التي تشيع حالة من التململ والسرحان، وهناك من الخطباء من يرفع صوته وبانفعال زائد في غير موضعه، وآخرون هادئون هدوءاً لا يوقظ نائماً ولا ينبه شارداً، إضافة إلى تلك الخطب المكررة التي لا تواكب متغيرات الحياة، ويستخدم فيها للأسف لغة يغلب عليها مواضع التحريم والترهيب وعذاب القبر وجهنم وبئس المصير، بدلاً من الموعظة الحسنة والترغيب والرجاء في رحمة الله ومغفرته بالتوبة، ونشر خطاب الوسطية وفضائل التسامح والتآلف وصلة الأرحام والمحافظة على الأسرة والتكافل واحترام الآخر، ومعالجة مشاكل المجتمع من عنوسة وطلاق وتغير في الأخلاق. نأتي للمضمون وهو الأخطر، فمنذ سنوات غلب على بعض الخطب خطاباً تكفيرياً منفراً وصادماً، خاصة بعد أحداث التغيير في بعض الدول العربية، وتجذر الانقسام الحاد داخل مكونات شعوبها، ومن المؤلم أن تغذيه الفضائيات وفوضى الإعلام الإلكتروني وشبكات التواصل، والمؤلم أكثر أن تدخل منابر المساجد في تلك الدول على خط الصراع والفرقة والصدام وتحريك الشارع، واستبدال خطاب (الجسد الواحد والبنيان المرصوص) بقاموس التآمر والتقسيم والإقصاء، فهذا ليبرالي وذاك علماني عدو للدين، واتهامات مضادة والعالم يتفرج بكل اللغات. أليس هذا درساً باهظاً لكل لبيب ولديه ذرة من عقل وضمير؟. أما العجب العجاب فهو أن يتداول بعض خطبائنا مفردات الفرز والتقسيم والاتهام والتكفير، وكأن صراع وصدامات الآخرين هي معركتنا باسم نصرة الإسلام، وهي في الحقيقة معركة خاطئة وإن كانت تؤلمنا كأبناء أمة واحدة، عندما تتشظى شعوباً شقيقة بصراعات شطرتها بعمق وتسيء للدين وللأمة، في الوقت الذي استقر فيه العالم المتقدم بالسلام الداخلي، وأصبح يخدم البشرية بأحدث التقنيات والاختراعات في كل مجال، وبات يقدم صوراً عملية للتسامح الداخلي رغم الاستثناءات العنصرية البغيضة. يا دعاتنا وخطباءنا الأفاضل.. رسالتكم دقيقة، فحافظوا على رسالة المنبر العظيمة بالموعظة الحسنة. وليت وزارة الشؤون الإسلامية تحسم هذا الأمر ليستقيم الخطاب. قال تعالى {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}. وعنه صلوات الله وسلامه عليه: (فوالله لأن يهدي بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النَّعم). كاتب وباحث أكاديمي [email protected]