لكل انطلاقة حماستها ووهجها، وكلما كانت المؤهلات النفسية والفكرية والمادية أقوى كان الإنجاز أكثر، إلا أن المبادئ والافكار تخبو جذوتها في نفس الانسان كلما تقادم عليه الزمن في احتراف ممارستها، وبدون الإحياء والإنعاش المستمر قد تموت أو تتضاءل أو تنسحب الى جوانب هامشية، وهذه التغيرات من ألصق صفات الطبيعة البشرية؛ لذا كان التجديد الفردي والجماعي ضروريا لكيلا تموت المبادئ والأفكار والمشاريع العظيمة.والعامل الانساني هو الأهم في عملية الحياة الأولى والإحياء بعد الفتور أو الموات، فلا حياة لفكرة لم تقتت ولم تتقمص روح انسان وحتى رسالة الاسلام العظيمة كانت لا بد من أن تتمثل في بشر أصبحوا التطبيق العملي التي تمشي وتعمل وتغير في الارض. هؤلاء البشر تمثلوا الاسلام في كافة مناشط حياتهم حتى أبسطهم، وهو الاعرابي الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأعمال التي تدخله الجنة ليفعلها فقط ولا يزيد عليها، فكان الجواب عن أركان الاسلام وعبادات تنعكس على شخصيته الفردية، وعبادات جماعية تجعله فردا من أمة الاسلام تنظم علاقته بها. والنجاح في تمثل وتمثيل الفكرة ليس ممكنا إذا كان هناك انفصال، او انقطاع بين الدوائر الشخصية والعامة في حياة الانسان؛ بحيث يسهل عليه التنظير عن بعد وممارسة الفضيلة أمام الناس، بينما يتعرى منها بعد انتهاء ساعات الدوام العلني، وكأن ممارسة المبادئ وظيفة بداوم جزئي! وهذا ما يعرف ب»ظاهرة الشيزوفرينيا» او الفصام، فترى الشخص يفيض بالتقوى على الناس، بينما يعاني بيته من سوء خلقه وإهماله شر المعاناة، او تراه يطالب الناس بالأخلاق ولا يتورع عن ارتكاب المحرمات اذا خلا بنفسه، فيكون كمن قال فيهم الشاعر: وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو عليل لقد وعى الصحابة أن رسالة الاسلام الكاملة والشاملة يجب أن يعم تطبيقها جميع جوانب الحياة، دقيقها وجليلها، كبيرها وصغيرها، ظاهرها وباطنه. إن المشاريع والأفكار العظيمة لم تستمر وتخلد الا بشخوص نذروا لهم حياتها، وربما ماتوا أيضا من أجلها وارتبطت اسماؤهم بها، أما الذين بذلوا فتات وفضول الأوقات فإنجازاتهم محدودة تطيش فترة على السطح ثم تختفي. والمشروع الاسلامي ليس مختلفا، والدعوة الى الله ما لم يقم بها بشر، بواطنهم كظواهرهم وأفعالهم كأقوالهم وحياتهم في الدوائر الخاصة تزداد فضلا عن الحياة العامة، فستبقى محصورة تتأرجح بين يوم انجاز وايام فشل. إن الاسلام ما لم يتحول الى ممارسة في حياتنا وافراحنا واتراحنا ومطعمنا ومشربنا، في تجارتنا واقتصادنا فسيبقى النجاح محصورا على أفراد قلة، ولن يتوسع ليصبح حالة اجتماعية يتوافق عليها الناس ويجتهدون لحمايتها.العمل للإسلام لن ينجح إذا كان وقتا مستقطعا؛ فهو يتطلب عملاً دؤوباً مستمراً، وممتدا ما بين نفس الحياة ونفس الموت وأناس لم يبدلوا تبديلا.