هنا باقون وفي عمق الأرض راسخون، ونحن هنا صامدون بكل شموخ متشبثين بأرضنا ورملنا أرض الأجداد ، إن هذه الكلمات هي المبادئ العامة التي أرى أن القارئ بحاجة لسماعها ومشاهدتها وقراءتها على ألسنة صناع القرار وفي قوافي الشعر في خطابات القيادات تماما كما هو الأمر في صيحات الأسرى والجرحى وأبناء الشهداء .إن المرحلة الراهنة لها متطلبات وتحديات تحتاج منا الصمود ولو بأقل القليل لأننا نملك إرادة تلاشت أمامها مخططات ومؤامرات مختلفة، ولذلك فإن الصمود والرباط يتطلب من الجميع البقاء على ذات النفس والحرص على ان كل منا يجب أن يكمل الآخر، وعلى ذلك كنا وسنبقى الى الأبد رغم الحرب المستعرة علينا ، عندما يكتمل الحلم ويتحول الى حقيقة ، فنحن من سعى الى الوطن بالزحف حتى أروقة الأممالمتحدة رغم عدم إنصاف العالم لنا ، وبذات الأمل حصلنا على هذا الفتات من هذه الهيئة الدولية التي كان بإمكانها منحنا المزيد ، وإذ قمنا ببناء السلطة الوطنية ومؤسساتها فإن ذلك جرى لنسير بها الى مشروع الدولة وليس الوقوف عند الخط الذي أراد الاحتلال الاسرائيلي ربطنا به والبقاء دونه حتى نكون أداة طيعة في مشاريعه السياسية والاقتصادية التي بها نكون بها فقط مستهلكين لمنتوجه ، وحقل تجارب له ولمشاريعه الهدامة . أكتب ذلك مدركاً ان هناك من يدير ظهره لمثل هذه الكلمات ويعتبرها شعارات بالية من زمن غابر ، وأن هناك من أمسى لا يأبه بالوطن أو بوجعه ، وقد يكون صحيحا أن بعضا سيتخذ هذا الموقف، ولكنه ليس أساس وموقفه ليس قدراً على شعب بأكمله قدم التضحيات ولا زال ، ولا بد من الوقوف على ما يتم في بلدنا وتقييمه حتى لا يتحول أمر خطر الى نتيجة مدمرة ، وبالتالي تعزيز الايجابي إن كان ايجابيا ، ولجم السلبي ان كان سلبيا ، صلب الحديث هنا هو عن أخطر ظاهرة تواجه مجتمعنا الفلسطيني وهي الهجرة التي تشكل خطرا استراتيجيا ومصيريا على كل تفاصيل قضيتنا الوطنية الفلسطينية . وهي الفكرة التي أصبحت تشكل هاجساً للكثيرين وخصوصا فئة الشباب، والهجرة لا يمكن التدخل فيها بقدر ما يمكن تصويبها وتحديد معالمها وأخطارها وبالأخص في واقعنا الفلسطيني المليء بالثغرات والهموم والأعباء التي سببها الاحتلال ، وهي الأمر الذي يستلزم تحديد موقف وطني منها وان تطلب الأمر تحريمها لحساسية ذلك على أوضاعنا ، باعتبار أن الهجرة من الوطن تشكل هدفا مركزياً للاحتلال ومن يدعمه . وفي خضم هذا جاء إبراز ظاهرة الهجرة خارج الوطن في إحدى الوكالات التلفزيونية المحلية بعرض فيلم يتحدث عن حياة حرية وكرامة لمن يهاجر ويعيش في الولاياتالمتحدة من بعض الفلسطينيين ، حيث أتى ذلك في سياق غامض ولكن يتمكن من يريد أن يفسره حسب رغبته ، والذي يحلم بحياة كريمة ولو في الغربة يعتبر ذلك الفيلم ايجابيا ومشجعا، وهو أمرٌ معاكسٌ لطموحاتنا وتطلعاتنا وان كان يخدم مصلحة شخص بعينه ، لماذا هو معاكس وخطر ؟ لان رغبة التغرب أصبحت دارجة في هذه الظروف الصعبة وهي تتحرك في نفوس بريئة مقهورة وتعاني ما تعانيه من ضيق ، ولن تتوانى عن الهجرة ان فُتح بابها على مصراعيه أمامها وستدير وجهها نحو الغربة غير متطلعة الى البلد وما يدور فيها . ولا يمكن تفسير عرض هذا الفيلم إلا بأن الهجرة فكرة معقولة لمن تتشابه ظروفه مع ظروف الأشخاص الذين وردت مقابلاتهم في الفيلم ، وما أكثر من تتشابه ظروفهم البائسة في الأرض المحتلة أو تزيد سوءاً مع شخوص الفيلم قبل مغادرتهم الى ارض الوطن ، وما أدقها جداً المقاربة بين حال شخصيات الفلم وبين حال مئات الآلاف من الشباب الفلسطيني المنتظرين لفرصة عمل طائرة بين ركام البطالة على أبواب المؤسسات المختلفة سواءً الرسمية أو غير الرسمية. وقد سيق أيضاً موضوع الهجرة في أحدى اللقاءات الحوارية مع رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض وجمهور من المشاركين من بينهم بعض الفلسطينيين الذين هاجروا وعادوا الى أرض الوطن ، ورغم أن اللقاء كان يعطي تدليلا على ان الوطن هو الحضن الدافئ ، لكنه في المقابل سوغ تبريرا لفكرة الهجرة من هذا الوطن الدافئ ، وهو الخطأ والخطر على المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني في هذا الوقت الذي يجب على الجميع مساندة المشروع الوطني وليس الالتفاف عليه بأفكار أخرى وتبث على فضائية فلسطين تلفزيون الوطن الذي نريده وطن حر لرجال من الأحرار ، ويكفينا القول ان شعور جميع الفلسطينيين الذين هاجروا كان ولا يزال في غالبيته هو أن عزة الانسان تكون في بلده فقط وليس في بلاد الغربة . نعم أن الوضع الفلسطيني معقد ونعم أن هناك جيوشاً من الموظفين وغير الموظفين في حالة صعبة ، ولكن ألم تكن حالات الحصار تلك سيف مسلط على رقابنا لفترات عدة من تاريخ مواجهتنا مع الاحتلال ، وهي كلها في سياق واحد وهو تركيع الفلسطيني ليصبح ذليلاً ، في وقت أثبت صلابته أمام تلك المؤامرات التي تمثلها هذه الهجمة الاسرائيلية العنصرية في مواجهة طلب م.ت.ف حق الاعتراف بدولة مراقب في الأممالمتحدة وبعد نيلها له ، جوهر الموضوع إذن هو تركيع الشعب وجره الى الخنوع الذي يفقد معه وجوده واستقلاليته.