تفجّر الغيظ الاسرائيلي دفعة واحدة بوجه المنظمة الاممية المنضوية تحت لوائها جميع شعوب الكرة الارضية بما فيها دول مجهرية تقع في امريكا الوسطى جزر معزولة وسط المحيط الهادي لا يسمع بها احد إلا فيما تمليه ضرورات الاستخدام للتصويت ضد تطلعات الشعوب الساعية لنيل الحرية والاستقلال والانعتاق من مخلفات الماضي الاستعماري السحيق القديم والحديث، وحتى لا يصاب احد بدوار البحث عن هذه الدول فإنها تدعى مقرونيزيا، وبالاو، وناورو، وجزر المارشال حجمها لا يوازي حارة شعبية من حارات المدن الفلسطينية، هذا الغضب الاسرائيلي المتطرف لم يستثن احدا من الدول الاعضاء، بل اعتبر المنظمة الدولية التي تضم اكثر من ستين دولة اسلامية بالاضافة لآخرين موالين للعرب بأنها غير مؤهلة ولا تمثل شيئا ذو قيمة تذكر على حد وصفها، ذلك يأتي بالتزامن مع الذكرى السنوية لاصدار قرار التقسيم الجائر رقم " 181 " عام 1947، الذي يعود له الفضل بترسيم كيان الاحتلال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني في ارضه ووطنه، اما حلفاؤها في البيت الابيض وتوابعها لم يسلموا ايضا من الانتقادات العنيفة التي اتهمتهم بالتقصير وعدم بذل الجهود الكافية لمنع تمرير الطلب الفلسطيني عبر الاممالمتحدة، حيث نالت مكانة الدولة غير العضو بأغلبية ساحقة أظهرت مدى العزلة والفشل الذريع للتحالف الاستراتيجي الامريكي الاسرائيلي، بعد ان ضاق العالم ذرعا بالسياسات المنحازة لكيان الاحتلال واعتبارها فوق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، هكذا هو سلوك الدول الاستعمارية المتغطرسة دائما تجاه حقوق الشعوب، إذ لا ترى أمامها سوى الاطماع التوسعية العدوانية متجاهلة حقائق الامور وحتمية التاريخ التي تؤكد بأن زوال الاحتلال امر مفروغ منه مهما طال الزمن. ذهبت التهديدات الأمريكية الاسرائيلية ادراج الرياح وتخطّت القيادة الفلسطينية الموانع الوهمية دون وجل بالتوجه الى الأممالمتحدة، وتآكلت هيبة الادارة "الاوبامية" امام ارادة الشعوب الحرة ثم اضحت معزولة تجر اذيال الخيبة يقف الى جانبها حفنة لا يتجاوز عددها اصابع اليدين، نتيجة فقدان مصداقية وعودها السابقة التي اطلقها الرئيس الامريكي خلال فترة رئاسته الاولى من منبري جامعة القاهرة واسطنبول بالحديث المسهب عن ارساء دعائم السلام العالمي والعدالة والشراكة، وايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية على اساس قرارات الشرعية الدولية ووقف الاستيطان الذي يشكل عقبة كأداء بوجه عملية التسوية السياسية لكن واقع الحال اثبتت ان الافعال لا تنطبق على الاقوال حيث سرعان ما رضخت هذه الادارة لضغوط اللوبي الصهيوني بشكل أسوأ من سابقاتها، الامر الذي يؤكد على اهمية تضافر الجهود الوطنية لانتزاع الحقوق من خلال العمل الدؤوب لتغليب الحق على منطق حق القوة الذي تنتهجه الدول الغاشمة تجاه قضايا الشعوب المقهورة . يبدو ان حكومة اليمين العنصري اتخذت من تجويع الشعب الفلسطيني وسيلة لممارسة الضغوط العقابية على القيادة الفلسطينية للتراجع عن الاهداف الوطنية من خلال السطو على الاموال الفلسطينية هي عوائد الضرائب التي تجبيها، لكننا سلفا نقول لهؤلاء المتطرفين ان الوطنية الفلسطينية لا يمكن مقايضتها بأي ثمن كان، وسيندحر الاحتلال على صخرة الصمود والتمسك بالارض والدفاع عنها حتى الرمق الاخير، وعليه ان يستفيد من نتائج عدوانه الهمجي على قطاع غزة، كما يتوجب عليه النظر بامعان الى الالتفاف الشعبي حول قيادته عندما يتعلق الامر بتقرير المصير الفلسطيني، لقد تغيرت معادلة الصراع التي كانت قائمة على اساس فرض الشروط والاملاءات والاستقواء بالحليف الامريكي، وما بعد الانتصار في غزةوالاممالمتحدة ليس كما قبلها، لهذا فإن الرهان على تركيع الشعب الفلسطيني هو رهان خاسر بكل المقاييس وما اعلنته حكومة المستوطنين من اجراءات لبناء وحدات استيطانية جديدة تفصل شمال اراضي الضفة عن جنوبها ما هي الا سياسة قديمة تعبر عن العقلية الاستعمارية المنهجية للحكومات الاحتلالية المتعاقبة المنسجمة مع المخططات الصهيونية والقائمة على التهام المزيد من الاراضي الفلسطينية، اما الشروط المعلنة على لسان "نتنياهو" كأساس للمفاوضات مع الجانب الفلسطيني التي ترفض قرار الجمعية العامة وتشترط الاعتراف بيهودية الدولة وحق البناء في القدس وغيرها من الترهات والثرثرة الكلامية، تشكل دليلا آخر على العنجهية والغطرسة والبلطجة، لعلها تنقذه من المأزق الذي وضع نفسه فيه عشية الانتخابات الداخلية للكنيست مطلع العام القادم . ان التقليل من أهمية الانجازات الفلسطينية بضلعيها المتمثل بالصمود في قطاع غزة وفرض معادلة جديدة للردع بغض النظر عن تكافؤ القوة التسليحية بالمقارنة مع جيش الاحتلال، وكذا الانجاز الكبير في الجمعية العامة للامم المتحدة، من شأنه ان يشكل عامل احباط واهدار للفرصة التي وفرت المناخ الملائم للاجماع الوطني والدولي بشكل لم يسبق له مثيل وبالتالي لا بد من تكامل الفعل الفلسطيني والبناء على ما تم انجازه من خلال تعزيز عناصر الصمود والدفع باتجاه ابقاء حالة الزخم الجماهيري لاستيعاب المرحلة الصعبة التي ستواجه الوضع الفلسطيني القادم، وذلك لم يتحقق إلا باستكمال الضلع الثالث من الانجازات الفلسطينية المتعلق بانهاء الانقسام الفوري وتنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية الذي اقرته كافة الاطر القيادية الفلسطينية في القاهرة، يسبقه حوار قيادي للاتفاق على الخطوات السياسية اللاحقة بشكل موحد يكون عنوان السياسة الفلسطينية للمرحلة المقبلة على قاعدة التصدي لمخططات الاحتلال الرامية الى تقويض الحقوق الوطنية والسياسية والتاريخية للشعب الفلسطيني، والتمسك بالثوابت الوطنية على اعتبار ان تراكم الانجازات تشكل المقدمة الضرورية للاستقلال الوطني وبناء الدولة الناجزة بعاصمتها القدس وحق عودة اللاجئين الى ارضهم وديارهم التي شردوا منها بكونه يمثل لب الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بما يقطع الطريق على محاولات استثارة المشاعر وربط ما جرى بالقول انه تم التخلي عن حقوق اللاجئين مقابل الاراضي المحتلة عام 1967.