اختار رئيس الوزراء الفلسطيني، الدكتور سلام فياض، الأغوار شرقاً للوصول الى بلدة طوباس شمالاً، لدى زيارته البلدة نهاية الأسبوع لتقديم واجب العزاء في الشهيد أحمد مسلماني (21) الذي قتل قبل أيام برصاص جندي إسرائيلي وهو يحاول اجتياز حاجز عسكري في طريقه الى عمله. طلب فياض من سائقه التأني عند الحاجز العسكري الذي يحمل اسم المنطقة الغورية المقام فيها وهي الحمرا نسبة الى تربتها الزراعية الحمراء. نظر الى أعلى، حيث برج المراقبة المصفح، ثم الى سحنات الجنود المسلحين وتساءل: أي خطر شكّله عامل فلسطيني يحمل علبة عصير على كل هذا التسلح؟ ثم لماذا هذا الحاجز ما زال هنا؟ أي دور يؤديه؟ وأجاب فياض على تساؤلاته بالقول: لا دور له (الحاجز) سوى إدامة الاحتلال، فالإسرائيليون يدركون ان الفلسطينيين سيطالبون بالحرية بعد إزالة الحواجز، لذلك يريدون إبقاءها على الأجندة». يعبر فياض، الذي رافقته «الحياة» في سيارته، الأغوار حيث الأرض الزراعية الواسعة الممتدة التي تحظر إسرائيل على الفلسطينيين العمل فيها، ويقول: «هنا، على هذه الأرض ستقام الدولة الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني، هنا سيكون لنا مطار، وسنبدأ في الفترة القريبة القادمة المرحلة الأولى من العمل فيه، سيأتي خبراؤنا إلى الأرض ليضعوا التصاميم، ثم سنجلب التمويل، وسنقيمه هنا. المطار جزء من مؤسسات الدولة وسنقيمه على أرضنا التي اخترناها، ولن نعترف بالتصنيف الإسرائيلي لها (إسرائيل تعتبرها منطقة ج وخاضعة لسيطرتها)». فياض بدا مرتاحاً لتوقف المفاوضات، إذ عادت خطة حكومته الرامية لإقامة مؤسسات الدولة المستقلة قبل نهاية العام الحالي لتحتل العناوين من جديد. الرئيس محمود عباس ذكر في غير لقاء أن السلطة تسير بعد توقف المفاوضات في مسارات عدة في مقدمها مسار بناء مؤسسات الدولة المستقلة. قال فياض: «نعم، خطة الحكومة باتت تحظى بشبه إجماع فلسطيني، المفاوضات لم تؤدِّ الى تحقيق الهدف، لذلك نحن كسلطة وكشعب لدينا مشروعنا، وهو مشروع اقامة مؤسسات الدولة على الأرض الفلسطينية». الخطة اليوم في قلب النقاش السياسي الفلسطيني عقب فشل المفاوضات، لكن هل هي مقبولة دولياً؟ - نعم، المجتمع الدولي حسم أمره تماماً، انظر الى البيانات المتلاحقة للاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، وبيانات وزيرة الخارجية الأميركية، وتصريحات الرئيس باراك أوباما الذي أعرب أمام الأممالمتحدة عن أمله بإقامة الدولة الفلسطينية، ونيلها عضوية الأممالمتحدة هذا العام. المبادرة أفادتنا، ووضعت الأمور في هذه الطريقة الإيجابية، فنحن، كسلطة وطنية فلسطينية، انطلقنا من رؤية لدولة فلسطين، دولة تنسجم مع القيم النبيلة السامية السائدة في العالم. هذا وضع إنهاء الاحتلال، وتمكين فلسطين من العيش بحرية، في إطار مقبول جداً من العالم، وبما يمهد لاستثمار العالم فيه. استثمار معنوي وسياسي. وبمجرد ما قطعنا منتصف الطريق، ودخلنا العام الثاني من البرنامج بدأت أشعر بهذا. هكذا بدأت تظهر الجوانب الإيجابية التي توقعنا ان يكون لها مردود على المسار السياسي. نعم، هناك تحول في الموقف الدولي، ثمة بوادر ايجابية، وما ساهم في بلورتها وتكونها هو ما يراه العالم من إصرار فلسطيني على إنجاز هذا الموضوع. وماذا عن المفاوضات، هل هي وراءنا الآن؟ - إذا نظرنا فقط الى التفاوض نقول ما هي النتيجة؟ التفاوض معطل، لكن نحن لم ننظر الى التفاوض كتعريف للجهد السياسي، هو وسيلة، أداة، مكّون من مكونات عملية سياسية، وجهد سياسي، لكنه ليس الجهد السياسي برمته. الاتصالات القائمة على هذا الأساس، الاعترافات الدولية. كل هذه المسألة تأتي في إطار الاستجابة لموقف وتحرك فلسطيني مبادر. يوجد عنصران هنا، الأول عدم وجود أنباء عن اجتماعات ومفاوضات، الأخبار أصبحت تُملأ اليوم بالعمل الفلسطيني، بالإنجاز الفلسطيني السياسي، في البناء، وفي الاعترافات الدولية، الأخبار تُملأ اليوم بشيء آخر غير المفاوضات، والثاني أن جوهر الموضوع قائم على الأرض منذ زمن. وهل يمكن إقامة مؤسسات الدولة أن تنهي الاحتلال؟ - الخطة برنامج سياسي بامتياز، ينطلق من ضرورة التحرك الدائم فلسطينياً على المستويات كافة من اجل إنهاء الاحتلال. وإلى أن ينتهي الاحتلال، تعزيز قدرة المواطن على الصمود. عناصر القوة بادية للعيان، والخطة مربوطة بالعملية السياسية، وبالهدف وهو إنهاء الاحتلال. الخطة تحتوي على فكر متكامل مبادر، هدفت من اليوم الأول الى وضع الناس في زاوية التفكير بأن شيئاً يجب ان يتحقق. الرئيس محمود عباس تحدث في المقابلات الأخيرة عن مسار البناء كأحد أهم مسارات السلطة، هل يحل بناء المؤسسات محل المفاوضات؟ - نحن في السلطة نتحدث عن مسار البناء والإعداد والتهيئة لقيام الدولة، وعن مسار النضال السياسي لإنهاء الاحتلال، والهدف هو إحداث تلاقٍ بين الجاهزية وبين إنهاء الاحتلال، وهذا يتصل بما يقوم به المواطنون كل يوم، من تعبير عن رفضهم الاحتلال. كل الأمور مترابطة. المقاومة الشعبية السلمية مقاومة. البقاء على الأرض مقاومة. كيف نصنف ما يقوم به مواطن في الأغوار من خلال براكية وزناكية (بيوت الصفيح) حتى يصمد في وجه الطغيان. المفاهيم واضحة. إنها مهمة السلطة في الإعداد لقيام الدولة. النضال السياسي تقوده المنظمة. ومن اليوم الأول ونحن نقول إن أهم شيء لدينا هو القيام بجهد حقيقي لإنهاء الاحتلال وتثبيت المواطن على الأرض. هذا مكون أساسي للفكر. النتيجة الحتمية له تحسين فرص البقاء. دعني أعطِك مثالاً، وأنا أنظر في البيانات والإحصاءات الداخلية في شأن الهجرة والهجرة المعاكسة وجدت أن في الفترة الواقعة بين 2005 و2009 كانت الهجرة من الداخل الى الخارج في عام 2006 في صعود، لكن المنحى البياني للهجرة أخذ طابع الاستقرار، أي توقف الصعود في الأعوام 2007 - 2009، واستقر على حوالى 7 آلاف شخص في العام. بالمقابل فإن الهجرة المعاكسة، من الخارج الى الداخل، بدأت تتصاعد من عام 2007 الى 2009 وصولاً الى التقاطع مع المنحى الآخر. تقاطع على سبعة آلاف شخص في العام يغادرون وسبعة آلاف يعودون، وإذا استمر هذا الاتجاه يصبح الداخل الى الأراضي الفلسطينية أكبر، أي أن الهجرة المعاكسة الى الوطن زادت، وهنا أقول بجملة واحدة: المهمة تمت... هذه هي النتيجة التي نريد، ولن أعدد لك المشاريع، ولن أذكر شيئاً عن الأمن الداخلي وعن إنجازات الحكومة وعن تراجع العجز المالي وهبوط معدلات الفقر والبطالة وزيادة المدارس. أنا أقول لك: الرهان ليس على أحد، لا على إسرائيل ولا على أميركا ولا على أحد. الرهان هو على أنفسنا، الثبات في الأرض والإعداد للدولة ليس ترفاً، انه النضال، إذا اتفقنا على أن المربع الأول في إنهاء الاحتلال هو تثبيت المواطن، فإننا بهذا المقياس نجحنا. ماذا سيحدث بعد انتهاء فترة العامين في نهاية آب (أغسطس) المقبل، هل ستتوجهون الى المجتمع الدولي للإعلان عن الدولة؟ - نحن نتوجه الى المجتمع الدولي منذ اليوم الأول: أما آن لهذا الاحتلال ان ينتهي؟ وبم يمكن الشعب الفلسطيني أن تكون له دولة ذات سيادة على حدود عام 67. يجب على المجتمع الدولي أن يضطلع بمسؤولية مباشرة ودور أكثر فاعلية مما قام به حتى اليوم لإنهاء الاحتلال، بخاصة أن إسرائيل لم تبد في أية مرحلة من المراحل نية جدية لإنهاء الاحتلال. التوجه الى المجتمع الدولي قائم، ولن ننتظر حتى 26 /8 (موعد انتهاء الخطة). التوجه الى المجتمع الدولي، وتفعيل الدور الدولي مهمة دائمة لنا، لها عناوين وأدوات مختلفة. محلياً تبددت الشكوك التي أبداها البعض، وتبددت التساؤلات حول طبيعة هذه الدولة، وإذا ما كانت دولة تحت الاحتلال أم لا. ما نريد ونعمل من أجله واضح تماماً: دولة على كامل الأرض المحتلة عام 1967. تبددت الشكوك بعد أن بدأ الجميع يلمس ثمار جهود هذا التحرك. المنطقة (ج) تشكل 60 في المئة من الضفة، وهي تحت سيطرة إسرائيل، وعمل الحكومة ممنوع فيها فكيف ستقام مؤسسات الدولة؟ - المنطقة (ج)، نحن في وسطها، انظر. نحن لم نقبل التفاوض على أي شيء اسمه إجراءات لتحسين الثقة. بدأنا نعمل في كل أرضنا بما فيها هذه الأرض. هي منطقة تطوير مفتوحة للسلطة. بدأنا نتحرك باتجاه إقامة المطار (في المنقطة ج). كل نقطة في هذه الأرض فيها امتحان. امتحان لنا على النجاح، وامتحان لإسرائيل. نريد أن نبني هنا، كل نقطة في أرضنا هي نقطة اشتباك. اشتباك بين الطموح الفلسطيني المشروع المستند الى الشرعية الدولية في أن تكون الدولة قائمة على هذه الأرض، وبين الرفض الإسرائيلي. هذه نقطة الاشتباك بين طموحنا وبين إسرائيل وسياستها التي من الواضح انها لا تريد أن تنهي الاحتلال. حيثما تمكنا أن نعمل فسنعمل. لدينا عشرات المشاريع في المنطقة (ج) وفي المناطق المحيطة بالجدار. المسار الثاني هو المطالبة الدائمة بإطلاق العنان لقدرتنا على التطوير في هذه المناطق من دون قيود، من خلال إنهاء نظام التحكم والسيطرة التعسفية الإسرائيلية، ونحن نعمل كل ما بمقدورنا ان نعمله. إلى أين وصلنا العمل في المطار؟ - سنبدأ الخطوات العملية قريباً. سنُحضر مئات الخبرات من أجل أن نبدأ التصميم وهؤلاء سيعملون على الأرض لتنفيذ مشروع المطار. والتمويل؟ - أنا واثق بأن عندما يتبين أن المشروع قابل للإنجاز فسيكون هناك تمويل، لا دولة في فلسطين من دون المرافق الأساسية المتضمنة في الخطة. جزء أساسي منها أن يكون لدينا مطار جديد في الضفة الغربية. ولا توجد طريقة أخرى، يجب أن يكون لدينا مطار، ونحن نعمل عليه. لست معنياً بإعلان انتصارات زائفة، لكن انا مع إذكاء شعلة الأمل. أنا مع الطموح، يجب ألا نتردد. هذه حقوقنا. المهم أن ننجز. وحتى نصل الى النتيجة نريد حالة من التضامن، نريد أن نخلق موعداً مع الحرية. الفكر قائم على الانخراط في شكل مباشر. يجب أن يتحول المشروع الى حديث يومي للناس، ليصبح مشروعاً وطنياً متبنّى. عندها يكون الموضوع قد حسم. المشروع الوطني لم يعد فقط مسمى، وإنما اسماً ومضموناً وجهداً للتنفيذ. وهذا نراه من كل منظار. (...) كلما نجحنا في جعل فلسطين بيئة جاذبة وليست طاردة نجحنا. هذه التفاصيل الصغيرة يصبح فيها المشروع الوطني ممتزجاً مع المشروع الشخصي، وعندما يمتزج الوطني والشخصي في تناغم فريد تولد الدولة. هكذا تتحقق المشاريع الوطنية الكبرى، لم يعرف أحد مسبقاً ان في التاريخ الفلاني سيهجم الشعب الألماني على الجدار ويهدمه. هذه حالة ولدت من دون أن يكون فيها قرار، هذه حالة لا قرار فيها ولا تنبؤ، يمتزج فيها الشخصي والوطني في هذا الشكل الإيجابي، حالة تناغم نبحث عنها للوصول الى الهدف. لهذا السبب انا غير مصاب بحالة من الإرباك لأن المفاوضات متعثرة والحالة السياسية متعثرة... وأين غزة من المشروع؟ - غزة جزء لا يتجزأ من مشروع بناء الدولة، ويمكن الاتفاق مع «حماس» على مستويات عدة، والأهم أن نتفق على الأمور السياسية لتشكل أساساً لإعادة الوحدة الوطنية وفي مقدمها المفهوم الأمني. إذا تم التوافق على المفهوم الأمني فإن كل القضايا الأخرى ستحل. بصرف النظر عن الاجتهادات الأيديولوجية في الموضوع الأمني فإن من الناحية العملية هناك اتفاق واضح الآن على جدوى اللاعنف وعلى القوة الهائلة المتصلة في رؤية قائمة على اللاعنف، على قوته الوجدانية، على قوة الروح. فعلياً يوجد توافق، هذه سياسة السلطة، إذا نظرت الى ما تقوم به «حماس» على الإرض لوجدته ينسجم تماماً مع هذه الرؤية، أضف الى ذلك أن تصريحات عدد من المسؤولين (في حماس) في الآونة الأخيرة أكدت هذه النقطة. بصرف النظر عن المنطلقات المختلفة والأيديولوجيات المختلفة إزاء هذه النقطة فإن هناك اتفاقاً أدعو الى ترسيمه كموقف فلسطيني موحد وترك الشعارات جانباً. تصنيف الناس فريقاً مقاوماً وفريقاً مساوماً غير صحيح، إن حصل هناك اتفاق على ترسيم ما هو قائم فلسطينياً فسنكون قطعنا معظم المسافة باتجاه المصالحة... وما الذي يمنع في اليوم التالي لترسيم مثل هذا الاتفاق تشكيل حكومة وحدة وطنية. ثم ما هو الشيء الذي كان ناقصاً في برنامج حكومة الوحدة الوطنية السابق سوى المفهوم الأمني؟ ما الذي أحدث كل هذا الانقسام سوى غياب المفهوم الأمني وليس الخلاف في وجهات النظر السياسية. وهل يمكن الحكومة أن تبادر في طرح ذلك؟ - كل أمر له قنواته وعناوينه، نتكلم كسلطة فلسطينية. السلطة ليست طرفاً في الحوار، السلطة بيت للفلسطينيين كافة بصرف النظر عن انتماءاتهم، ومن واجبها ان تضع الاسس والمؤشرات التي يمكن ان تساعد في الوصول الى حل وصيغة. انا لا ارى على أرض الواقع أي خلاف، الآن لا يوجد خلاف... قبل ايام معدودة كانت هناك تصريحات لأحد قادة حماس (محمود الزهار) حول الامر فما الذي يمنع أن يقال: هذا موقف فلسطيني... هل يعني ذلك تبني اللاعنف من قبل «حماس»؟ - تبني اللاعنف هو مكون، والمكون الآخر ان السلطة الفلسطينية هي صاحبة القرار في الشأن الأمني وليس اي جهة أخرى. القرار الأمني مركزي والتنفيذ الأمني مسؤولية المؤسسة الرسمية، والترتيبات الكفيلة بذلك ممكنة... مررنا بفترة كانت الممارسة على هذا النحو والكلام مختلفين. لكن منذ عام ونصف العام ما هو ممارس وما يقال هو ذاته، فلماذا لا أطرحه كنقطة التقاء اساسية لم تكن قائمة من قبل... لم تكن قائمة منذ تأسيس السلطة الى يومنا هذا؟ وحتى نبعد عن العموميات ونتجاوزها، من يتكلم عن المصالحة فعليه ان يفسر لنا لماذا تمارس «حماس» في غزة الطريقة التي تعمل فيها السلطة في الضفة؟ كيف صرحت قيادات «حماس» بالمفهوم نفسه قبل ايام؟ نحن نقول هذه سياسة السلطة، إذا أردنا أن نوحد الوطن، يجب ان يكون لدينا مفهوم أمني موحد. لن ينفع أن يكون لدينا وطن مجزأ أمنياً... لكن لدينا صراع على السلطة؟ - مرة أخرى، انا أفصل المفهوم عن الآليات. البحث عن السلطة والصراع على السلطة يدخل في باب الترتيبات، ويمكن ايجاد حلول له. أنا شاركت في حكومة الوحدة الوطنية، وحكومة الوحدة لم يكن لها برنامج أمني على الإطلاق. البعد الأمني كان غائباً عن حكومة الوحدة الوطنية. البرنامج خلا من العنصر الأمني، وقلت هذا سيؤدي بنا الى الهاوية، هذا منشور ومكتوب. لماذا لا تجري الحكومة انتخابات لتساهم في خلق حياة سياسية تؤدي الى المصالحة؟ - الانتخابات يجب أن تجرى (المحلية والتشريعية) ضمن الترتيبات، لدي أفكاري للترتيبات ولنجاحها، لكن دعونا نتفق على المبدأ أولاً. ملف الاعتقالات في السلطة أما آن له ان ينتهي؟ - آخر شيء أريده أن يحدث هو الاعتقالات. زارني وفد من لجنة المتابعة العربية وقلت لهم: إذا تم الاتفاق على المفهوم الأمني فلن يكون هناك مشكلة. كيف نتخلص من ذلك طالما أن هناك تصرفاً يتعارض مع السياسة الأمنية للسلطة. المطلوب احترام سياسة السلطة في هذا المجال. إذا حصل احترام لسياسة السلطة فإن الموضوع (الاعتقالات) منتهٍ. نريد أن ننتهي من هذه القصة. لكن لا أستطيع معالجة النتائج قبل معالجة الأسباب. وأنا هنا لا أطالب بما يتجاوز ما هو معلن من «حماس» و «فتح». هل تعتقد ان خيار اللاعنف مناسب لكل الفلسطينيين؟ - أنا أؤمن بقوة اللاعنف، بقوة تأثير اللاعنف، هذا يحقق نقاط تلاقٍ مع حركات تحرر على المستوى العالمي حظيت بقدر كبير من التعاطف، مثل الهند وجنوب افريقيا وحركة الحقوق المدنية في أميركا. وما هو مستقبل السياسة الأمنية للسلطة اذا انهارت المفاوضات؟ - متى كان الأمن من وجهة نظر فلسطينية مهمة يؤديها الاحتلال؟ الإسرائيليون لم يمارسوا الأمن منذ اليوم الاول للاحتلال الا من خلال منظورهم. وتحديداً في النصف الثاني من سنوات الانتفاضة. كل العمل الأمني الإسرائيلي كان قائماً على فكرة التدخل في المدن، وهذه الفترة شهدت اكبر انفلات أمني. لا، نحن لا نخدم الا انفسنا. بصراحة. لا نعمل بالأجرة عند إسرائيل ولا عند غيرها. نعمل من منطق قراءة موضوعية هادئة لاحتياجاتنا. أن أجعل من فلسطين جاذبة وليست طاردة لأهلها. أن أجعل المواطن آمناً في بيته. عندما يكون المواطن غير آمن في بيته ويتعرض للاعتداء والابتزاز هذا يحول البلاد الى بيئة طاردة. الى ان ينتهي الاحتلال علي ألا أضيف للمواطن شعوراً إضافياً بقلة الأمان وعدم الاستقرار الأمني نتيجة الانفلات الأمني. بالتالي لا، نحن نعمل بوحي من مصلحتنا، ولا يمكن تجزئة المهمات. حتى لو انتهت المفاوضات نحن لدينا مشروعنا. وإذا لم ننجزه نحن فمن ينجزه. لماذا أعيد نفسي الى دائرة المتهم بأن لديه مشكلات، وان الطرف الآخر يشترط للحديث معنا انتهاء هذه المشكلات. ثم لماذا حدث التحول أخيراً باتجاه تفهم العالم لضرورة انسحاب إسرائيل وإزالة الاحتلال؟ العالم وقف عاجزاً أمام الذرائع الأمنية الإسرائيلية، لم يتمكن من التعامل معها بفاعلية اطلاقاً. إذ كلما طرحت مبادرة أو توجه للحل كان الجواب الإسرائيلي جاهزاً: اين الأمن في هذا؟ هذا التحول هو منجز وطني، وما جعله ممكناً البرنامج والرؤية. إذاً، الانتفاضة الفلسطينية القادمة هي انتفاضة بناء! - هي انتفاضة بناء من أجل تعزيز البقاء والتسريع في إنهاء الاحتلال. فلسطين ستكون نموذجاً. هذا ليس مستحيلاً. لدينا مقومات. المهم أن نبقي على الأمل مهما كانت الظروف صعبة. لماذا الحواجز العسكرية الإسرائيلية ما زالت قائمة؟ - هذا يدل على إمعان إسرائيل في إدامة الاحتلال. هذه مظاهر لا علاقة لها بالأمن. إسرائيل تصر على الحواجز لأنها ترى أن الفلسطينيين سيطالبون بعد إزالة الحواجز بإزالة الاحتلال. ماذا يفعل حاجز الحمرا، ما هي أهميته، لماذا هو موجود، ما هو المبرر الأمني له؟ هم يشهدون ان الوضع الأمني اليوم افضل مما كان عليه قبل إقامة تلك الحواجز، هم يستخدمون الحواجز لأنهم يعتقدون أننا سنطالب بعدها بالحرية. الحواجز تثير السؤال: هل تريد إسرائيل إنهاء الاحتلال؟ لا أوهام لدي في ذلك. كما ان التوسع الاستيطاني كان يجب ان ينتهي منذ اتفاق اوسلو وليس اليوم؟ التعليم في فلسطين ينقصه الكثير... - نعم، لاحظت انه ينقصه المهارات التحليلية واللغات، ينقصه تكوين وعي مناهض للتزمت. بدأنا في تأهيل المعلمين وفي المستقبل يجب تغيير المناهج. انا أولادي يحبون المدرسة (مدرسة خاصة في القدس)، كانوا يذهبون الى المدرسة فرحين، وهذا ما أريده للمدرسة الفلسطينية، أن تكون جذابة، وليست عقوبة. وكيف تنظر إلى احتمالات الاقتصاد الفلسطيني؟ - نخطط لأن ننهي اعتمادنا على المساعدات الخارجية (للموازنة) في عام 2013، وهناك تطور ونمو اقتصادي كبيران. الإنفاق الحكومي اليوم سالب لأنه يتراجع، لكنْ، هناك نمو بدا منذ عام 2007. رهاننا على المزيد من الاستثمار في القطاع الخاص ليعوض عن الانسحاب من القطاع العام. القطاعات المرشحة للنمو هي السياحة، وأيضاً قطاع تكنولوجيا المعلومات، وكذلك الصناعات الدوائية، وصناعة الحجر والرخام، والزراعة أيضاً فيها طاقة كامنة هائلة جداً، هذا يتطلب مزيداً من الاستثمار، إضافة الى قطاع الخدمات بمكوناته كافة. لدينا نظام مصرفي يتمتع بدرجة كبيرة من السلامة والكفاءة. قطاع التأمين يمكن أن يتوسع عندما تتعمق السوق المالية من خلال أدوات الدين العام... السندات على سبيل المثال. السوق المالية دورها يتحفز. بالتأكيد يظل الاستثمار في الإسكان عنصراً مهماً للتشغيل على المدى القصير والمتوسط. ولدينا تحول باتجاه العلاج في الداخل، وما يتبعه من استثمار في قطاع الصحة من قبل القطاع الخاص. المجال واسع أمام الاستثمار بما يمكن أن يخلق فرص عمل في فلسطين. اضافة إلى ذلك نعول على المناطق الصناعية بدرجة كبيرة. مناطق ستعمل بمستوى ما هو قائم في بلدان أخرى، ومستثمرون من الخارج يأتون ليستثمروا هنا.