من أهم ما يعانيه الانسان هو اعجابه بنفسه, وشعوره بأنه أصبح شخصية مرموقة, وأنه صاحب كفاءة عالية, وانجازات مشهودة,ذلك ان الشهادة بنجاح الانسان وبلوغه اقصى مراحل الانجاز والتفوق لابد أن تأتي من الآخرين, فالناس هم من يقيمون الانسان ويمنحونه المجد, والنجاح, وهم من يجعلونه رمزاً يشار إليه بالبنان.ودائماً فإن الإنجازات, وتبوء المناصب الكبرى, وتولي المسؤوليات القيادية في كل ساحات العمل, ومواقع الانجاز, وخدمة الوطن, والمجتمع, هي المؤشر لوجود رجل عمل ناجح,ولم يكن الثوب غالي الثمن, او الساعة المذهبة, أو القلم المفصص بالألماس, او الغترة المنشاة, أو عدم الرد على رنين الهاتف, أو تجاهل رؤية الناس في المحال والمناسبات أو رفع الصوت في الحوار مع الآخرين أو محاولة خدشهم بالقول عليهم دون رادع , أقول لم يكن كل هذا هو المقياس لنجاح الانسان وتمتعه بمكانة متميزة. إن التورط في ان يحكم الانسان على نفسه بالتميز, وبالتفرد, وببلوغ اقصى مراحل الأبهة, هو سقوط مرير يقود الانسان الى الفشل والى التختر, والى الانزواء فيما بعد, والى الانكفاء,ومن السهولة دائماً ان يكتشف المجتمع خواء المعجبين لأنهم مهما رفعوا صدورهم, ونفخوا أوداجهم, فإن خواءهم يظل مكشوفاً, وواضحاً, في مظهرهم, وجوهرهم, وسلوكهم, وعجرفتهم, والأنا, التي تكبر, وتكبر, حتى تصبح بحجم الدنيا. والعجيب, بل والغريب, ان الانسان المعجب بنفسه وبعمله لا يدرك نفور الناس منه, ومن أساليبه وهلامياته, ولا يشعر بكراهية الآخرين له, ذلك ان الناس تحب الشخص الخلوق, والسوي, والمحترم, والذي يحب الناس, ويعلن الالتفاف معهم, ومع ظروفهم, ويبادر أبداً لخدمتهم, والتعاطف معهم, ويشعرهم بانهم أفضل منه. وأهل زمان كانوا يرددون أبداً عبارة (عم شاكر يسلم عليك) ويروون حكاية مفادها ان عم شاكر هذا كان لا يسلم إلا على من يحبون انفسهم ويعجبون بها, وظلت هذه الحكاية مقولة ثابتة على مرِّ الأزمان, فاذا وجد الناس رجلاً مغرماً بنفسه سارعوا الى ان يقولوا له: عم شاكر يسلم عليك, وربما يرد الانسان المتغطرس المعجب بنفسه بقوله: عليكم وعليه السلام, وقد يحسب بأن عم شاكر هذا أحد المغرمين به, والمعجبين بقدراته الفالصو. والمشكلة, أن هؤلاء المعجبون بأنفسهم لا يقبلون النصح, ولا النقد, ولا التوجيه, فهم لا يحتفون إلا بمن يتقبلهم بكل المساوئ والأخطاء, ويعتبرون من ينتقدهم أعداءً, وحاقدين, وحاسدين, ولهذا لا نملك إلا أن نقول لهم: عم شاكر يسلم عليكم. آخر المشوار قال الشاعر: ضَحْلٌ ويختالُ كالطَاوسِ في صَلفٍ = كأنهُ فوق وجهِ الأرضِ لُقَمانُ ويَضْعُ النِّاسُ في تيه بنظرته = فالناس في عَينيه الرَمداءَ ديدان فإن تحَدثَ فالامْلالُ عادَتهُ -= فهو البصيرُ وكل الخَلْقُ عُمْيَانُ جَهْل وعجرْفةٌ في طبعه اجتمعا = وهل يَذلُ بغير الجهلِ إنْسانُ