حلت بدريارنا واحدة من "الملهيات" الجديدة والتي من فرط إغراءاتها أنها خطفت العقول وملكت القلوب، ذلكم السيد (الواتس آب) WhatsAPP، ولقد كنا في السابق نشكو من كثرة الملهيات التي تشغلنا عن أعمالنا وزياراتنا والتأمل في قضايانا الاسرية والعملية، فجاء هذا (الواتس) ليزيد الطين بلة وليجعلنا أكثر تفريطاً في الوقت وانغماساً في بحرة اللجي. ** أحدنا يفتح الايميل ويرى من خلاله كماً هائلاً من الرسائل وبعضها يستحق المتابعة لجهة عمله الخاص ثم جاء (الفيس بوك) ليقتطع هو الاخر جزءاً من وقتنا، وإذا تأخر أحدنا عن التعاطي معه، وجد من بعض أصدقائه عتاباً رقيقاً على نحو لماذا لم تعد (تفيسس)؟!! ** ثم جاء التويتر ليقول الناس إن (علية القوم) هم من يتعاطونه وأنه من الواجب عليك أن تفتح حساباً في عالمه الواسع حتى تتجول في فضائه الرحب قارئاً متأملاً وإن شئت (مغرداً) بما وهبك الله من قدرات. ** إلى أن جاء حبيبنا (الواتس آب) ليقول لك الناس، هل من المعقول أن تكون (أو تكوني أنت) فلان الفلاني ولا يكون لديك حساب في (الواتس) بل ومجموعة تنضم تحت خيمتها أو في عدة مجموعات لتستقبل كماً مهولاً من الرسائل والصور والافلام والتسجيلات؟ ولتكون رقماً جديداً في عالم هذه الخدمة الساحرة؟ ** اللافت أن من بين التصفيات المهمة لك كشخص أن يكون لديك (حساب) في كل ما تقدم وإلا فأنت (دقة قديمة) وشخص (متأخر) لم تستطع أن تتماهى مع تقنيات وفنون العصر، وبذلك فأنت - مهما كنت - ستكون مهملاً أو في أقل الأحوال فأنت لست في الصف الأول. ** صار الأمر والحالة هكذا أن توزع وقتك بين كل ما قلناه آنفاً، فتجعل إما يومياً (وهذا هو الغالب) أو يوماً ويوماً لواحد من هذه (الحسابات) الجديدة، التي دلقها علينا العصر وصارت نعمة أو نقمة (لا أدري) بين أيدينا وتحت أبصارنا وداخل قلوبنا. ** وبدأت المسألة تأخذ حالة كوميدية مضحكة عندما ترى أهل البيت الواحد وهم في جلساتهم الخاصة وكل واحد منهم منكب على جهازه الخاص، فنشأت حالة عجيبة من الغربة والاغتراب بين أهل البيت الواحد، لأن كل واحد منهم صار عالماً لوحده لا علاقة له حتى بمن هو بجواره وكلما دخل الزوج البيت مثلاً وفي ذهنه موضوع ما يريد أن يبسطه بسطاً وسط أهله وجد الجميع حتى زوجته (غارقاً حتى شوشته) في عالمه الخاص مع هذه (الحسابات) المتنوعة، فلا يملك إلا أن يضرب كفاً بكف ويبلع لسانه ساكتاً أو أن يقوم هو الآخر (بتقليب) جهاز هاتفه أو التلهي بحاسوبه الخاص. ** هذا الهوس بالجوالات والكمبيوتر المحمول سيكون له بالتأكيد عواقبه الوخيمة على الأسرة والمجتمع وستظهر آثاره السلبية قريباً، فقد استطاعت هذه (الملهيات التقنية) أن تلغي حوارات الأسرة ونقاشاتها وضحكاتها وتأمل همومها وتدارس شؤونها، وسرقت (دفء البيوت) وحولتها إلى (صقيع - ولا صقيع سيبريا) وأظنها ماضية في اختطاف حتى المشاعر والحنان والعواطف التي كانت تسود الأسرة الواحدة، وأصبح الرفاق أو الرفيقات في (القروب) أهم عند الرجل والمرأة من أهل بيته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.