95 عاماً مضت على الجريمة البريطانية التي تمثلت في إطلاق وزير خارجية بريطانيا في 2 /11 /1917 وعده المشؤوم بالمساعدة على إنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. في واقع الأمر لم تكن الحال وعداً، بل كانت مؤامرة استهدفت الأمة العربية، بل الأمة الإسلامية، كيف لا وهو الوعد، بل الجريمة التي انتهت بسلخ فلسطين من الوطن العربي، وتمكين العصابات الصهيونية المدعومة من القوات البريطانية باغتصاب 78% من أرض فلسطين التاريخية، وما أسفرت عن طرد مئات الآلاف من الشعب الفلسطيني ليعيش حياة اللجوء والمنافي منذ أربعة وستين عاماً. أما أهداف الدول الاستعمارية، وخاصة بريطانيا وفرنسا من وراء تمكين الحركة الصهيونية المستغلة للدين اليهودي من اغتصاب فلسطين، فتتمثل في الكثير من الأهداف ومنها: التخلص من اليهود في أوروبا؛ نتيجة للخلاف التاريخي بين الكنيسة وبين اليهود، وما كان لهم أن يتحقق ذلك من دون تجسيد هدف "نبيل" يجذب اليهود للتمسك به، ومن ثم العمل على تهجيرهم من أوروبا، وتجميعهم في "دولتهم الموعودة" - إدراكاً من القوى الاستعمارية لطبيعة الشعب العربي من رفضه ومقاومته لكل أشكال الاحتلال وما يعقبه من نهب وسيطرة على الثروات، ومن ثمّ الثورة على قوى الاحتلال بهدف نيل الحرية والاستقلال، كان لا بد من إيجاد قاعدة عسكرية وقوة ضاربة تجهض آمال الأمة العربية بالحرية والوحدة - الموقع الاستراتيجي لفلسطين الذي يربط الشق الآسيوي والإفريقي من الوطن العربي ويرسخ وحدته. كان الدافع الأكبر لاغتصابه ولا يتحقق ذلك عبر الاحتلال، فعمدت بريطانيا إلى الاحتلال عبر الإحلال، وحتى يتسنى لها ضمان نجاح اتفاقيات سايكس بيكو وسان ريمو اللتان قسمتا الوطن العربي إلى دويلات متصارعة، لا تملك من أمرها شيئاً وفرض زعامات لا تستمد قوتها من شعوبها، بل من تبعيتها في معظم الحالات. أما الضعف والشرذمة العربية انعكس على كيفية مواجهة المؤامرة والجريمة البريطانية، حيث خرجت الدويلات العربية بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، من حال إلى حال أسوأ ما يمكن أن يكون حيث أحكمت بريطانيا وفرنسا سيطرتها على الأقطار العربية عبر الاحتلال العسكري المباشر. وحالنا الآن أسوأ من حالنا إبّان حقبة الاستعمار والاحتلال المباشر، ففلسطين كادت أن يطويها النسيان، لولا الوعي الذي يتحلى به الشعب الفلسطيني، وإصراره على استمرار نضاله بكافة الأشكال حتى تحرير فلسطين وإقامة دولته المستقلة. ولا يمكن تحقيق ذلك في ظل استمرار الانقسام السياسي والجغرافي، فلا بد من إنهاء الانقسام والتوافق على برنامج وطني يحقق الحد الأدنى من المشروع الوطني الفلسطيني، وإلا فإن التاريخ لن يرحم أحداً.