من الواضح أن برامج ال"واتس أب" وأجهزة البلاك بيري والرسائل الالكترونية بالإضافة إلى مواقع الفيس بوك والتويتر أثرت بشكل ملموس على عادات المجتمع السعودي والمجتمعات المشابهة التي تفضل الزيارة والتقارب بين أفرادها كما يوصي الدين الإسلامي الحنيف. وفي الأسبوع الماضي عندما حل عيد الفطر المبارك، بلغ استخدام أجهزة الجوالات ووسائل التواصل الاجتماعي ذروته، ولا غرابة إن شعر بعض أفراد المجتمع بأن العيد قد مرَ عليهم وكأنه ضيف لم يجد من يحتفي به أو عابر سبيل لم يكترث بحضوره أحد.لم يبق للعيد ذلك الحنين الذي كان قديماً، فقد أربكت التقنية علاقاتنا وأثرت على طرق تواصلنا مع بعضنا البعض، ولعبت دوراً حيوياً في تغيير مظاهر العيد عما كانت عليه في القدم، ولازال البعض يعاني من الخلط الكبير في استخدام هذه التقنية في علاقاتهم الاجتماعية مما ينتج عنه حدوث فتور في حقوق وزيارات الأسر والأقارب والمعارف. لقد شرعت الأعياد في ديننا الإسلامي لتقوية أواصر المحبة وتزكية مشاعر المودة، وديننا دائماً يحث أتباعه على المحبة والتحابب والتواد حيث جاءت كلمة الحب والمحبة في القرآن الكريم أكثر من ثمانين مرة. كنا في الماضي ننتظر العيد للقاء الأحبة والانتقال مع الآباء والأخوان والأبناء من منزل إلى آخر لتقديم المعايدة وكانت الزيارات الحميمية هي الأصل لنشر المحبة وتعزيز العلاقات الإنسانية. وكانت فرحة العيد ظاهرة إنسانية تغرس الحب بمعناه الحقيقي، ويشعر الجميع بأنهم أسرة واحدة تعلو وجوههم الفرحة. تغير الزمن وظهر الهاتف ولكن بقيت زيارات العيد بين الأهالي والأصدقاء صامدة وأسهم جهاز الهاتف في تمرير دفء الصوت وحميميته لمن كان بعيداً. أما اليوم ومع انتشار الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي، فقد قل التزاور واللقاءات واستعيض عنها برسائل الكترونية، فتبدل الوضع وتغير الحال، وأصبح الكثير يكتفي برسالة باردة لا تحمل طعم اللقاء ولا حلاوة العناق، ترسل من شخص إلى آخر ثم يتم تدويرها إلى آخرين في ليالي العيد ألف مرة. فوضى هائلة من الرسائل أفقدت نكهة التواصل الإنساني، فاستعضنا عن الزيارة وحميمية اللقاء بحركة لا تحتاج إلا إلى الضغط على كلمة "أرسل". بعضنا ينسخ معايدة أعجبته صياغتها فيرسلها إلى جميع الأسماء التي في ذاكرة جهازه، لا هم له إن كانت باردة ولا تحمل مشاعر العيد. رسالة مليئة بالسجع والكلام العذب تصلك في ليلة العيد ولكنها خالية من المشاعر الحقيقية لأنها أرسلت بالتوازي إلى العشرات مثلك، وربما تصلك رسالة طائشة تاهت طريقها مع زحمة العيد. إنها التقنية .. التي وإن قربت البعيد .. إلا أنَها أبعدت القريب. بها تعرف من يبعد عنك آلاف الكيلومترات، ولكنك تعيش الغربة مع من هو على بعد أمتار منك. لقد أبت التقنية إلا أن تحصرنا كلنا في شكل واحد بلا تمييز لنصبح متشابهين بالإكراه، وحولتنا إلى آلات تجردنا من إنسانيتنا فباتت مشاعرنا الكترونية، نرسل رسائل متشابهة بلا لون ولا طعم، لا نتذكر الملامح ولا نسمع الصوت، ثم ندعي أننا أوصلنا مشاعر العيد أو استلمناها. لقد كانت أجواء العيد في السابق أبسط مما هي عليه الآن بكثير، فأبواب البيوت مفتوحة لاستقبال المباركين الذين يجدون حسن الاستقبال ويتبادلون التهاني بفرح وابتسامات نابعة من القلب. أما الآن فقد غلقت الأبواب واختفى الصوت ورفعت حلاوة العيد وقل تجمع الأسر وتبادل الهدايا والعيديات. رحم الله ذلك الزمن الجميل.