القدس قدسنا، والتاريخ تاريخنا، والحضارة حضارتنا، والتراث تراثنا، والمعالم والمسميات كلها لنا، وكذلك المسجد الأقصى بكل مكوناته ومعالمه وجدرانه الداخلية والخارجية وساحاته وحجارته، وما فوق الأرض وما تحت الأرض، وكذلك كنيسة القيامة بكل مكوناتها ومعالمها وجدرانها وكل حجر فيها. يضاف إليها كل المقدسات الإسلامية والمسيحية على تنوعها وانتشارها في كل الأماكن المقدسية، كلها حق خالص للعرب، مسلمين ومسيحيين، وليس لليهود حق في ذرة تراب هناك. كل صحف وكتب ومعطيات وشهادات التاريخ تؤكد هذه الحقيقة الكبيرة الساطعة، وحتى كبار العلماء مثل "يسرائيل فرنكشتان" وغيره الكثيرين، ورغم ذلك، تشن دولة الاحتلال موجات متلاحقة من الهجمات والحملات اليومية الرامية إلى قلب كل هذه الحقائق، وتزييف كل شيء في القدس لتحويلها إلى قدس يهودية. يوظف الاحتلال كل طاقاته وأدواته ووزاراته وإداراته وجيوشه في هذه المهمة، كما يسحب من "الجارور" جملة من المشاريع الجاهزة المبيتة للمضي تعمقا في تهويد القدس، ومن أخطر المشاريع المعلنة مشروع "هدم الأقصى وبناء الهيكل"، وكذلك مشروع "القدس 2020" الذي يمضي الاحتلال بتنفيذه على نحو محموم. ويتكامل المشروعان معا في تهديم المشهد العربي في المدينة، وبناء مشهد صهيوني تهويدي مدعم بنصوص توراتية، فوق نصوص الاحتلال والقوة البلطجية. في سياق العمل الصهيوني المنهجي في هذا السياق، أعطت المؤسسة الصهيونية الضوء الأخضر لمختلف المؤسسات التخطيطية بالقدسالمحتلة، للشروع في تنفيذ مخططات هيكلية تقضي بتهويد تخوم المسجد الأقصى وساحة البراق، من خلال إقامة مراكز تهويدية وكنس وحدائق توراتية لتضييق الخناق على المسجد. ويأتي ذلك ضمن مخطط شامل لتمكين اليهود من ساحة البراق، في مقابل إقصاء وتغييب الحضارة العربية والتاريخ الإسلامي عن المكان، وسيقام جنوب المسجد الأقصى مبنى مؤلف من سبعة طوابق بمساحة ثلاثة آلاف متر مربع، أطلق عليه اسم "مركز كيدم"، يضم موقفا للسيارات، ومركزا سياحيا وتجاريا بمساحة 17 ألف متر، وثلاثة طوابق تحت الأرض، ومركزا للتوراة، ونفقا للوصول إلى ساحة البراق، كما سيقام مخطط "بيت الجوهر"، قبالة باب المغاربة، ويتألف المبنى من أربعة طوابق ممتدة على مساحة أربعة آلاف متر مربع، وطابق أرضي يشمل حديقة توراتية ومتحفا للديانة اليهودية سيربط بشبكة الأنفاق الأرضية المؤدية إلى بلدة سلوان، القائمة أسفل الأقصى لتسهيل عملية تنقل السياح والمستوطنين. وفي الجهة الجنوبية للمسجد سيبنى فوق القصور الأموية مشروع تهويدي أطلق عليه اسم "مركز دفيدسون"، مكمل للمركز التوراتي الذي شيد عام 2006 بشكل يتنافى حتى وقانون التنظيم والبناء الإسرائيلي، باعتبار المنطقة أثرية يحظر استعمالها للبناء، وسيشمل حديقة توراتية ومبنى مؤلفا من ثلاثة طوابق تحت الأرض ترتبط بشبكة الأنفاق الممتدة أسفل الأقصى والبلدة القديمة.ولكن، حتى تكون القدس يهودية بالكامل، فإن أجندة استراتيجية الاحتلال تشتمل على المزيد والمزيد من خطط ومشاريع وإجراءات التهويد التي تعني تطبيقاً على الأرض المقدسية: تهويد الجغرافيا بإقامة المزيد والمزيد من المستعمرات حول أسوار القدس حتى مشارف أريحا ورام الله وبيت لحم، والمزيد من الأحياء الاستيطانية في البلدة القديمة للقدس، والتهويد الديموغرافي- السكاني- الذي يعني، تطبيقاً أيضاً، الاقتلاع والترحيل لأهل القدس، وإقامة جدران ديموغرافية يهودية متصلة داخل أسوار البلدة العتيقة وخارجها، وإقامة المزيد والمزيد من الأحزمة والأطواق الاستيطانية داخل مشروع القدس الكبرى "التي تقدر مساحتها حسب المصادر الفلسطينية والإسرائيلية بنحو ربع مساحة الضفة الغربية- والأرقام متحركة دائما". ولعل الأخطر القادم، هو الخطر الداهم المتمثل بمخططات ونوايا هدم الأقصى من أجل بناء الهيكل الثالث مكانه. نربط ربطاً جدلياً واستراتيجياً وسياسياً ما بين تلك المخططات والمشاريع الاحتلالية التهويدية الجارية على قدم وساق على أرض المدينة المقدسة أولاً، ثم على امتداد مدينة خليل الرحمن ثانياً، ثم على امتداد الضفة الغربية ثالثا، وما بين الأوضاع العربية والدولية. إن الحقيقة الكبيرة اليوم: أن الأقصى في خطر حقيقي، والمدينة المقدسة تحت وطأة الاختطاف الاستراتيجي إلى الأبد حتى عام 2020، والحقيقة الكبيرة أيضا: أن أهل القدس وفلسطين هم الذين يشكلون أولاً الدرع الواقي للأقصى والقدس، وهم يقومون بهذا الواجب على أكمل وجه، كما تابعنا في عمليات التصدي المتلاحقة لمحاولات اجتياح باحات الأقصى المتتابعة من قبل الإرهابيين اليهود. غير أن الحقيقة الأكبر هي أن دولة الاحتلال لم تكن لتتمادى في عدوانها واجتياحاتها وسطوها على الأرض والقدس والمقدسات لو كان للعرب موقف وخطاب آخر مختلف عما هو اليوم.