في القرن الواحد والعشرين وفي زمن حقوق الإنسان وبعد ما يزيد على 64 عاماً على إنشائها، تكرر «إسرائيل» تطهيرها العرقي للفلسطينيين الذي مارسته بُعيْد إقامتها وارتكابها للمجازر، ولكن هذه المرّة في العام 2012 وعلى مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، حين منعت ربع مليون فلسطيني من العودة إلى أرضهم في المناطق المحتلة العام 1967.لقد منعت «إسرائيل» منذ العام 1967 ولغاية إقامة السلطة الفلسطينية العام 1994 أكثر من مئة ألف فلسطيني من سكان هذه الأراضي من العودة إلى بيوتهم، وحرمتهم من حقهم الطبيعي في وطنهم، كانوا قد سافروا إلى الخارج للتعليم والعمل.حالياً، أصدرت «إسرائيل» مؤخراً قراراً بمنع 140 ألف فلسطيني من سكان الضفة الغربيةالمحتلة من العودة إليها. وحرمتهم حقوقهم بسبب مكوثهم في الخارج لمدة تزيد على ثلاثة أعوام ونصف العام، ما يعني أن عملية الطرد الهادئة هذه، شملت ربع مليون فلسطيني. «إسرائيل» اضطرت إلى الكشف عن هذه المعطيات رداً على توجه المركز «الإسرائيلي» للدفاع عن الفرد، بموجب قانون حرية الفرد، ونشرتها صحيفة «هآرتس» الصهيونية. «إسرائيل» أيضاً تتبع ذات السياسة بالنسبة إلى أهالي القدسالمحتلة من خلال طردهم من المدينة وترحيلهم عنها، بحجة أنهم لم يعودوا سكاناً في المدينة المقدسة وفقدوا حق الإقامة فيها. «إسرائيل» استغلت وما تزال ما أسمته ب»سياسة الجسور المفتوحة» لتطبيق خطة فحواها: طرد الفلسطينيين من أرضهم، لتقليل عدد الفلسطينيين في المناطق المحتلة وفي القدس تحديداً، على طريق تهويدها ومحيطها، بجلب عشرات الآلاف من المستوطنين الجدد لإسكانهم في المستوطنات التي يجري توسيعها وبناء المزيد منها، وبذلك تتحقق المعادلة الصهيونية «أرض أكثر وعرب أقل». الغريب أن هذه القرارات «الإسرائيلية» مرّت كخبر عادي وسريع، سواء في الإعلام الفلسطيني أو العربي أو الدولي، في الوقت الذي يحق فيه لمطلق يهودي يسكن في أية بقعة من العالم، الهجرة إلى فلسطينالمحتلة وامتلاك بيت على أرضها والحصول على الجنسية «الإسرائيلية»، هذا الأمر مثبت في قانون أساسي صدر عن الكنيست في العام 1948 وهو «قانون العودة»، وما زال يطبق حتى الآن. ففلسطين العربية المحتلة هي «أرض إسرائيلية»، وهي «دولة الشعب اليهودي». ندرك العجز الفلسطيني والعربي الحالي في إلزام «إسرائيل» بالتراجع عن قراراتها بمنع ربع مليون فلسطيني من العودة إلى المناطق المحتلة في العام 1967، ولكن قضية من هذا النوع تستحق أن تُطرح بقوة على الصعيد الدولي في الأممالمتحدة وكل المنظمات، وبخاصة الحقوقية التابعة لها، ف»إسرائيل» تخرق المواثيق الدولية وحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف عن المناطق المحتلة، والقضية بحاجة إلى قوة إعلامية كبيرة، وليتم التوجه إلى محكمة لاهاي في هذا الخرق الصهيوني الفاضح، وهذا أضعف الإيمان. قضايا من هذا النوع هي قضايا كبيرة، وليكن رد الفعل عليها منسجماً مع حقيقتها وحجمها، فلا تجوز الاستكانة والحالة هذه، وللأسف بدلاً من الانشغال بقضايا من هذا النوع، فإن الهم الفلسطيني الحالي منصب على فوائد وإمكان لقاء في عمّان بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ونائب رئيس الوزراء «الإسرائيلي» شاؤول موفاز أحد الصقور المعروفين في الدولة الصهيونية، ومن أكبر المتعنتين الرافضين لأي حق من الحقوق الوطنية الفلسطينية. والاهتمام منصب أيضاً على حوارات يجريها مسؤول ملف المفاوضات في السلطة صائب عريقات في الولاياتالمتحدة. على المراهنين الذين ما زالوا يعتقدون بنهج المفاوضات مع «إسرائيل»، والذين يعتقدون بإمكان جنوح «إسرائيل» إلى «سلام» عادل مع الفلسطينيين أو العرب أن يتحرروا من أوهامهم، فباعترافهم هم أنفسهم: بعد الاستيطان «الإسرائيلي» «والذي لن يتوقف مطلقاً لا في المستقبل القريب أو البعيد»، فإن حل الدولتين هو غير قابل للتطبيق على الأرض، فالمساحة الصغيرة المتبقية للفلسطينيين هي كانتونات مقطعة الأوصال «فيها المستوطنات والجدار العازل». وبطرح «إسرائيل اليهودية» فإنها تقطع الطريق على حل «الدولة الديمقراطية الواحدة» و»حل الدولة الثنائية القومية» و»حل الدولة لجميع مواطنيها»، فما الذي بقي لتتم المراهنة عليه؟. «إسرائيل» التي لم تعترف بحق لاجئي 48 في العودة إلى مدنهم وقراهم ووطنهم التاريخي، لن تعترف أيضاً بحق ربع مليون فلسطيني تمنعهم من العودة إلى المناطق المحتلة في العام 1967 إلا إذا جرى إجبارها على الاعتراف بحق العودة لأولئك وهؤلاء، وهذا لن يتم بنهج المفاوضات ولا بمناشدة «إسرائيل» أو أمريكا أو الأممالمتحدة، وإنما بالمقاومة بأشكالها ووسائلها كافة، وعلى الأخص منها المقاومة المسلحة ضد هذا العدو.