كلما ثار خلاف بين اثنين في هذه البلاد، حتى ولو كانا من تيار واحد، استحضر كل منهما ما ظنه من أقوال السابقين يشهد لما ادعاه من صوابٍ، ومن أقوال آخرين تقدح فيما طرحه من اختلف معه، وكلما أوغل أحدهما في انتقاء العبارات التي تحتاج إلى تفسير وتوضيح من أقوال من سبق كان في نظره أكثر علماً من خصمه وأوفى حجة، ولما كانت قضايا الاقتصاد والأموال هي الأشد حضوراً في زماننا كان لما يسمى الاقتصاد الإسلامي المجال الأرحب في كل خلاف يطرأ، ومنذ نشوء فكرته وأنا من أوائل من حصل فيه على شهادة عليا، إلا أنني فضلت البُعد عن العمل في مجاله بعد أن جربت ذلك، فاكتشفت أنه عند البعض مجالاً للربح ببيع الفتوى فأحجمت عن أن يكون ديني تجارة أجني بها ربحاً، وها هو أحد أخواننا ممن يجتهدون لإصلاح مسار هذه الدراسات يتعرض لسيل من الهجمات كالعادة التي لا تكتفي بالانتقاص حتى تسحب خلافها إلى كل من تشعر أن اجتهاداته من علماء الأمة كانت تؤيد ما يقول مخالفة، فهذا أحدهم يدعي من أجل ذلك أن في أصول الفقه انحرافات قديمة العهد، من عهد الأئمة العظام كالأئمة الأربعة فيسوق في إحدى المجلات مقالاً بعنوان «من معالم الانحراف الأصولي» فيستشهد بالنصوص على ما لا تشهد به ويدعي أن من أخذ بغير الأدلة الأربعة (الكتاب والسنة والإجماع والقياس) انحرف بالأصول عن غاياته، وفي إدعاء فج يرى أن من استشهد بالأدلة الأخرى جاهل بالأدلة الأربعة ومراتبها، وكأن الإمام أبوحنيفة وصاحبيه حينما أخذوا بالاستحسان جهلوا هذه الأدلة ولم يعرفوا مراتبها، وكأن الإمام مالك وأصحابه قد فعلوا ذلك عندما أخذوا بالمصالح المرسلة، بل وتجرأ فوصف مثل هذا بأنه بناء للأحكام على أنقاض السنن، ومؤد إلى ظهور البدع، مع ترديد لعبارات مجها العقلاء من مثل: (الأدلة الصحيحة إذا انطمرت صالت الأدلة الفاسدة وراجت)، وحاشا علماء الأمة الأفذاذ أن يطمروا الأدلة الصحيحة وإنما يطمرها من جهلوا مناهجهم وسعة علمهم، وتناسى المهاجم لهم أنه وتياره يجعلون سد الذرائع من الأدلة القوية عندهم يحرمون به المباحات دون إعمال شرائطه، ألا يتقي هؤلاء ربهم فيحصرون خلافهم مع غيرهم فيما يورد لا بتناول أعلام الأمة وانتقاصها، هذا ما نرجو والله ولي التوفيق. ص.ب 35485 جدة 21488 [email protected]