بدايةً اعتذر من الجميع وخاصةً فئة العمال على إطلاق كلمة "نفوق" عليهم وأخص بالذكر من هم يعملون عملاً ميدانياً، هذه الفئة التي جاءت من آخر بلاد الأرض للعمل من أجلنا في بلادنا، ولتحسين مستوى معيشتها بالعمل والكدح والتعب، وتحضرني صورة شاهدتها قبل أيام لطفلة صغيرة وهي تحتضن والدها بشدَة حيث امتزجت دموعها بدموعه لتستقر على كتف كل منهما في لحظة وداعٍ في المطار وهو متجه للعمل في بلاد الخليج..فيا ليتنا نرحمهم. لن أتحدث عن ما تواجهه هذه الفئة من سوء تعامل من قِبَل أغلب أفراد المجتمع، ولن أتحدث عن ما نلمسه من ممارسات عند البعض فاقت حدود العقل والخيال والمألوف في التفريق بيننا وبينهم، وكذلك ما يواجهونه من اشتياق وحنين لبلادهم ولأهلهم وأبنائهم وصحبتهم، فمن ذاق ذل وتعب الغربة سيعلم ما يدور بداخلهم.كثير من المشاكل والمآسي يواجهها هذا العامل ولكني سأكتب بشكل عقلاني إنساني عن العمالة التي تعمل في المشاريع الميدانية. هذه الفئة..التي أوكل لها القيام بتنفيذ أعمال المشاريع والخطط المستقبلة لتنمية المدينة.هذه الفئة التي تقوم بحمل أطنان من الرمل والحصى والخرسانة. هذه الفئة..التي قاربت رئتهم أن تتيبس من كثرة استنشاق الإسمنت.كل ذلك خدمة لنا ومن أجلنا، إذاً أليس من حقهم أن نفكر فيهم ولو في هذه الأيام الشديدة الحرارة؟. بلغت درجة حرارة الجو الأسبوع الماضي إلى 54 درجة مئوية ونحن ما زلنا في بداية فصل الصيف، وهناك توقعات تقول إن الحرارة ستصل إلى 60 درجة مئوية وقد وصلت لذلك في الأعوام الماضية، ولا يمكن لأي شخصٍ من كان أن يعمل بكامل قوته وكامل عافيته تحت هذه الحرارة التي قاربت من درجة الغليان بل ولا يمكن له التركيز في العمل تحت أشعة الشمس الحارقة التي تؤدي إلى حالات الإغماء والضربات الشمسية، ولا ننسى أنه من أعمالهم "اللحام" للحديد والأسياخ وعملية "التلحيم" لا تتم إلا بالنار. إن جميع تلك المشاريع والأعمال لها وقت زمني معين للتسليم وإذا تأخر تسليمه عن وقته اندرج تحت بند "المشاريع المتعثرة"، وبعيداً عن الأسباب المعتادة في تعثر المشاريع من غياب "الكادر الهندسي" أو "الفساد الإداري" أو أي سبب آخر; "فإن حرارة الأجواء أصبحت سبباً ملحوظاً في تعثر المشاريع". كثيرٌ منا يتساءل..وكيف لنا أن نحل مشكلة الأجواء فهذه أمور إلهية؟ أعلم ذلك جيداً، لكن لو تم تغيير أوقات عمل العمال الميدانيين إلى المساء أي من الساعة 6 عصراً وحتى الساعة 4 فجراً ويتم تهيئة المكان لهم بالكشافات الضوئية شديدة الإنارة التي تنير لهم المكان على الأقل في المشاريع التي لا تستلزم العمل على مدار الساعة سيكون ذلك حلاً منصفاً ومريحاً. وها نحن قد شارفنا على أبواب شهر رمضان الذي دائماً ما نرى فيه هذا الحل مطبقاً في المشاريع، فلماذا لا يكون حلاً دائماً في فترة الصيف؟ بأيدينا أن نغير جو العمل إلى إنتاجيه أكثر وأفضل، وبأيدينا أن نحبب العمال في أعمالهم. فمن هنا ومن هذا المنبر أوجه هذه الرسالة لكل مسئول يستطيع أن يساهم في حل هذا الوضع الصعب التحمل الذي يؤدي إلى الوفاة من شدة الحرارة بل قد يصل الحال بنا إلى أن نسميه "نفوق العمال" وكذلك "تعثر المشاريع". يجبُ علينا أن نرأفَ ونرحم هذه الفئة وأن ننظر إلى هذا الموضوع بعين المُحب للأجر والمُستزيد في الخيرات من منطلق حديث سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال:(في كل كبدٍ رطبةٍ "صدقة").فلنحتسبها صدقةً جارية لله.واللهم أجرنا من نار جهنم.