هناك "فصحنة" من النمط التقليدي تنتشر هنا وهناك في مقالات كتاب عرب موزعة ما بين الصحافة الورقية والالكترونية، تحاول إقناعنا بما هو نظري دون الأخذ بمعطيات الواقع المنتج من مواضيع القضايا المطروحة للنقاش. على أن هذا الطراز من هؤلاء الكتاب لديهم "ثقافة عالية" لم يصلها أقرانهم ممن نفضوا أيديهم من "الربيع العربي"، بعدما شاهدوا حجم الخراب على مجمل الحياة العربية... والشواهد على ذلك لا تحصى ولا تعد، ومع ذلك لا يريد أن يراها هؤلاء لأن ثقافتهم العالية لا تسمح بذلك. وعليه، فإن الذين رأوا ونبّهوا "لا يقرأون الواقع بمنظار صحيح" كما كتب أحدهم مؤخرا وهو المحفّز لي لكتابة هذا المقال. من أين يجيء هؤلاء الكتّاب بمشهدية حضور قضية فلسطين في حراك "الربيع العربي" إذا كانت كل الشواهد تؤكد أن فلسطين قد غيّبت من الهتاف وهي ليست على بال أحد من "أبطال" هذا الربيع، بل على عكس ذلك يذهبون بإطلاق التصريحات الناعمة والمواسية، لتهدئة روع الاحتلال الإسرائيلي القلق من تغييرات أيديولوجية قد تحدث في طبيعة الصراع العربي- الإسرائيلي؟. تعلن الثورات العربية أنها تسعى إلى التغيير، وقد أعطت اليسير من المؤشرات حول طبيعة هذا التغيير وملامح وافية عن القوى والنخب الزاحفة الى السلطة... وما نشاهده اليوم ليس أكثر من تغيير في العباءة. كانت العباءة قومية ووطنية ويتم استبدالها بعباءة الإسلام السياسي المثير الجدل في قضايا لا تخطر على بال أحد، ولا هي بطبيعة الحال محسوبة على الخطاب النهضوي...فكيف ننعزل عن الواقع ونظل نلصق بقوى هذا الربيع القول الذي نردده منذ خمسينات القرن الماضي: "إن فلسطين قضية العرب المركزية"؟! وقد رأى الكثيرون من منظري الربيع بأن هذا القول هو "بضاعة" النظام العربي الرسمي الاستبدادي، ولا بد من تجاوزه بما يتلاءم مع الرعاية والسياسة الأمريكية والأوروبية... لقد تخلصت ثورات الربيع العربي من بعض الديكتاتوريات، ولكنها لم تستطع التخلص من البريق الأمريكي، وهي هنا لم تستطع التطاول إلى مستوى "الحلم العربي" الذي كان دائما ينظر إلى التحرر والاستقلال وبما يحقق النهضة الوجودية للأمة العربية بكل مستوياتها. الربيع الغامض والمتردي هذا الذي نشهده، لا يضاهي الحلم العربي الذي حلمت به ملايين البشر من هذه الأمة. لماذا لا يتم إحياؤه وفاء للتاريخ العربي وللمقدسات المغتصبة، ومن دون تطهيرها لا كرامة لعربي ولا لمسلم.