إني دوماً لا أثق في المعلومات الصحفية، خاصة إذا كانت غير موثقة توثيقاً علمياً، يجعل كل ذي بصيرة يعتد بها، فإطلاق الكلام على عواهنه، ونقل الأخبار خلواً عن مصدر موثوق، لا يعطي القارئ الثقة في الصحيفة التي يتابعها، أو الكاتب الذي يقرأ له، فحينما تذكر صحيفة نقلاً عن طبيب نفسي معلومات مفادها أن منتصف الليل أكثر الأوقات التي يحدث فيها الانتحار بسبب كثرة الخواطر والأفكار والهموم، وتذكر المشاكل في هذا الوقت بالذات، أي قبل الخلود إلى النوم، ودون الإشارة إلى مصدر موثوق، والمعلومة تحتاج إلى تتبع احصائي للمنتحرين، ومعرفة أوقات انتحارهم بدقة، وطبعاً لا يكفي في هذا عينة من أفراد قلائل تعمم نتائجها على جميع المنتحرين، ثم يضيف الخبر: إن من يحاولون الانتحار يمثلون ثلاثة أضعاف المنتحرين فعلياً، وهو الأمر أيضاً الذي يحتاج إلى إحصاء دقيق، حتى يمكن استنباط حقيقة كهذه، ثم الجزم بها على هذا الشكل ثم تنهال معلومات الطبيب التي لا ندري من أي مصدر علمي أتت، حينما يؤكد أن نسبة الانتحار تقل بين المتزوجين ومن عندهم أطفال، وبيت القصيد في هذه المعلومات المجيرة للتشكيك في سلوك مراهقينا، بأن بينهم اثني عشر ألف مراهق يدخلون المستشفيات النفسية بسبب إما محاولة انتحار أو بسبب سلوكيات انتحارية، ولم يحدد لنا الفترة الزمنية لذلك أهي أسبوع أم شهر أم سنة، وهو أمر خطير إن ثبت، وكان عن إحصاء تم بطريقة علمية موثوق بها، فهو يعني أن لدينا بيئة حاضنة للتشوه السلوكي، عند صغار السن في بلادنا، يؤدي بهم لرغبة عارمة في الانتحار، وهذا سيجعلنا ولا شك إن ثبت نعيد النظر في كل برامجنا التعليمية، والبيئة الحاضنة لصغارنا في المنزل والمدرسة والمجتمع، ووسائل الترفيه لهم، ومجال الألعاب، ولنبحث الأسباب الحقيقية وراء رغبتهم هذه في الانتحار فعدد اثني عشر ألف مراهق ليس بالعدد اليسير الذي يمكن أن يقال عنه كالعادة إنه لا يمثل ظاهرة، ولنعيد في مقولتنا التي نرددها دوماً:إننا مجتمع محافظ، حصنه الإيمان من مثل هكذا مشاكل، ولابد لنا من أن نتقيد بالأسلوب العلمي عندما نشير إلى مثل هذا الأمر الخطير في صحافتنا، وإلا فإنا نشيع الزيف في المجتمع فهل نحن نعقل هذا؟ هو ما أرجوه والله ولي التوفيق. ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]