قال بزهو في المتحف : نحن أمة عريقة لها ماض ضارب في عمق التاريخ .. نحن أمة التراث يا صديقي . أنظر لهذه ( الرحى ) وذلك ( القتب ) وتلك ( الربابة ) .. وهذا الدافور الجميل . قلت : صدقت .. أشياء قديمة .. ودافور قديم .. رأيتها العام الماضي والأعوام السابقة ، وحتما هي في انتظارنا العام القادم لنحتفل بها . قال : لماذا تكره التراث ؟ أأنت حداثي ؟ رأسك ملوث بترهات العصر الجديد ؟ .. لتعلم إن ( التراث ) عبق الماضي الذي نعتز به .. ومتعة الحاضر الذي نعيش فيه .. وثروة الأجيال في المستقبل . قلت : أما ثروة الأجيال فكثر منها !! أنا لا أكره التراث .. فقط أكره أن نتحول إلى دوافير يتسابق السوّاح لالتقاط الصور التذكارية معنا .. أسمعني .. لقد وصل العالم لأماكن بعيدة ولا زلنا نقيم لهذه الدوافير وأشباهها وما هو على شاكلتها المهرجانات واللقاءات ونعقد حولها الندوات . سينفد البترول على تخوم هذا الاحتفالات التراثية . يؤسفني يا صاحبي أننا أسرى لهذا الدافور البالي ؟ لقد أصبح العالم لا يفرق بيننا وبين الدافور .. ربما قد يسألك أحدهم وأنت تحمل دافورك القديم .. أيكما التراث ؛ أنت أم الدافور؟. لا تغضب .. نحن من خلق هذا التشابه !! أنظر لفعالياتنا .. مزايين .. سباق هجن .. دوافير .. كلها من فاتورة التنمية المستدامة التي لا أحد يدرك مدى حاجتنا لها سيما في هذا العصر المسجور بالتقلبات والتحديات . لا أثر لمهرجان واحد في العلوم .. أو في الأبحاث .. أو في التقنية .. أو في الاختراعات . مجرد ذوبان في الماضي حتى بتنا جزءاً منه .. نحن قطعة أثرية .. في هذا العالم الرقمي .. نحن قطعة أثرية . والأدهى أننا حتى في هذا التراث اختلفنا وتناحرنا وتفرقنا وتشرذمنا .. أنظر للأمة الكبرى .. الكل يروي عن دافوره ما يرضي هواه ويشبع فراغات نزواته .. ذاك يصيح :( لا دافور إلا دافوري ..إنه دافور النجاة ) . وهذا يرد : ( دافورك مزيف .. أنت ودافورك في النار ) . إننا عالقون في رحى الماضي منذ زمن !! ولا ادري إلى متى ستظل أدمغتنا قمح لتلك الرحى ؟ يا صديقي .. لا أحد يكره التراث أو يدعو لكراهية التراث . لكن أيضاً لا نريد من يكره المستقبل أو من يعرقل سير البلد نحوه .. أو من يعمل على استنزاف الجهد والمال والطاقة في عدة اتجاهات ليس من بينها تحديات المستقبل. [email protected]