يهتزُ القلبُ شوقاً وفرحاً وتتلعثم المشاعرُ عن التعبير عندما يتخرج الطالب من الجامعة حاملاً شهادته أمام والديه وإخوته وجميع الناس بأنه تخرج بدرجة بكالوريوس هندسة مع مرتبة " الشعر الأبيض " مما شاهده في ستةِ سنواتٍ مضت قضاها داخل أروقة الجامعة لدراسة الهندسة وتعاليمها وفنونها يمضيها في العمل الميداني الذي يقابل فيه من الناس ما راق وما لم يرق والذي يستغرق وقتاً طويلاً جداً، وينتقل بعد ذلك إلى المواد النظرية التي تشتعل بالمعادلات النارية والقياسات والحسابات التي يشيب لها الرأس وإعداد الرسومات والمخططات الدقيقة والتصاميم الجذَابة وأهم من هذا وذاك تحملهم لمتاعب طلبات الدكاترة ونظراتهم الدونية لما يقوم به الطلاب من أعمال، وتهديداتهم المستمرة لهم بالرسوب، واستهزائهم بهم أمام العامة وبما أنتجوه من عرق جبينهم وسهر أعينهم ولكن كل ذلك لا يساوي شيئاً لأغلب الدكاترة بل ولا يوجد عليهم رقيب أو مجلس لإنصاف الطلاب. وبعد تلك السنين وتلك الفرحة التي لا تدوم سوى لحظات يستعد الشخص لمواجهة ومجابهة معترك ومنحنيات وغلاء الحياة تكويناً للنفس وتخطيطاً للمستقبل وإثباتاً للذات، ولكن المفاجأة الكبرى حينما يجد نفسه كأي تخصص آخر يعوَضُ عن كل سنة دراسية بألف ومائة ريال تقريباً. استمعنا كثيراً إلى كلمة " الكادر " التي أعني بها " الكادر الهندسي " ولطالما انتظرناه طويلاً لأنه سيقلبُ موازين المهندسين حيث سينقلهم من مرتبةٍ مهنيةٍ رفيعة إلى مرتبةٍ مهنيةٍ و" ماديةٍ " ارفع ولا أقصد بذلك أن أقلل من أي تخصص أو مهنة أخرى مهما كانت فكلنا مكملون لبعضنا البعض، ولن أحسد أي شخص آخر فيما رزقه الله، ولكن دعونا نلتفت من حولنا لنرى كمية المشاريع الجاري تنفيذها حالياً وما تحتاج إليه من أعداد من المهندسين لإنشائها والإشراف عليها، والقادم من المشاريع بحسب استراتيجية الدولة للتنمية والانتقال من الحسن إلى الأحسن هو أكثر بكثير من القائم حالياً. فلو أردنا التحدث عن مسؤولية المهندس مقابل الطبيب لوجدنا أنه وعلى أصغر المقاييس نجد أن المهندس مسئول عن عمارة مكونة من (3 طوابق) كل طابق به عدد (2 شقة) أي إجمالي عدد الشقق بالعمارة (6 شقق) كل شقة بها أسرة علماً بأن متوسط عدد أفراد الأسرة السعودية (5 أشخاص) أي بإجمالي (30 شخصا) في العمارة في آنٍ واحد وذلك بأقل التقديرات والمعايير والمقاييس وقس على ذلك من مستوى عمارة أو فيلا إلى مستوى مدينة يسكنها 3 ملايين نسمة في وقتٍ واحد عوضاً عن ما يقومون بالإشراف عليه من مشاريع تقدر تكاليفها بالملايين والمليارات في بعض الأحيان. أما الطبيب " اللهم لا حسد " فيوجد لهم كادر وظيفي خاص بهم من أفضل الكوادر الموجودة حالياً وبها من المميزات والبدلات والرواتب ما يدفع الشخص إلى القيام بواجبه على أكمل وجه ممكن بالرغم من أنه مسئول عن شخص واحد فقط يجري له عملية جراحية إلا أننا نستمع وفي كل أسبوع لحلقة من حلقات المسلسل الأسبوعي" الأخطاء الطبية ". إن القيام بتنفيذ الكادر الهندسي في الوقت الحالي من أبسط وأفضل الأعمال وذلك لسهولة جمع بيانات المهندسين العاملين حالياً بالقطاع العام وتحسين أوضاعهم حيث وكما ذُكر سابقاً أن عددهم الحالي تقريباً 30 ألف مهندس أي أنه عدد قليل مقارنة بمن هم في القطاع الخاص وكذلك لا ننسى ما تصبو إليه التوجهات القيادية في رفعة وتحسين أوضاع المواطنين خاصة بعد إعلان ميزانية العام السابق. ومن خلال هذا الكادر ستتم عملية المنافسة الشريفة بين القطاع العام والخاص في محاولة استقطاب أكبر عدد ممكن من المهندسين بمزايا عالية حتى يتمكنوا من التركيز في انجاز تلك المشاريع. ولكن بعد أربع سنوات مضت من الحديث عن هذا الكادر أصبح المهندسون خائفين من أن يغادر حلم الكادر.