إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه.. وصدّق ما يعتاده من توهم. ليس مجتمعاً طبيعياً من ينقسم أفراده إلى متربصٍ ومتربَصٍ به,فيغدو كل فردٍ في نظر أصحاب الوصاية وحماة الفضيلة مشروع رذيلةٍ متحقق الوقوع ولا بد من منع حدوثه والحيلولة دون تلويثه للمجتمع الطاهر,هكذا تبدو الصورة لمن يراقب مجتمعنا ومايحدث فيه من مظاهر الاحتساب العبثية التي تتجاوز المعقول والمشروع وتخرج إلى فضاءات الوصاية الممقوتة التي لا تمنع منكراً ولا تأمر بمعروف, وقد يبدو للمتأمل أنّ بعض أفراد هذا المجتمع الذي يلوك مصطلحات الفضيلة والتقوى ويتغذى عليها منذ ثلاثين سنة ويقيم المناشط الدعوية حتى في الأفراح وفي كل مكان هم من لا يطبقون ذلك في حياتهم وإلاّ كيف يستقيم في العقل أنّ نزعم أنّنا هذا المجتمع الفاضل والمتدين ثم لا نأمن الناس على أعراضهم وعلى شرفهم؟ بل يشعر البعض أنّه تجب مراقبة كل فردٍ لكي نعصمه من الفتنة والخطأ!! فالحقيقة التي لا تجمّلها المواربة هي أنّ بعض أفراد هذا المجتمع قد طالهم التشويه والمسخ نتيجة هذا الخطاب الذي سيطر عليهم طوال العقود الماضية حتى أحالهم إلى مجموعاتٍ منافقةٍ تظهر الإتفاق الضمني على نبذ المنكرات وذمها في الوقت الذي لا تتورع فيه هذه المجموعات المنافقة عن مقارفة هذه الخطايا ويشعر أنّه لا أستطيع أن يفهم كيف تريد هذه المجموعات المحتسبة أن تمنع الرذيلة في المجتمع فتقوم بمنع النساء من مزاولة الأعمال الشريفة والتضييق عليهنّ في الرزق,فكيف يمكن لمدعي الإحتساب أن يمنعوا من تحتاج للعمل في الوقت الذي يقاتلون فيه على فرص الرزق ومنح الأراضي لهم ولأبنائهم وبناتهم!! فليت أنّنا سمعنا بواحدٍ من هؤلاء المحتسبين الذين أصبحوا أكثر من المواطنين قد تبرع ببعض ممتلكاته ليصرف على بعض الفتيات اللاتي حال دون أن يكسبن رزقهنّ بالطرق الشريفة فهذا هو الإحتساب الحقيقي,أمّا أن يقضي بعض المحتسبين نهارهم في التنقل من مسؤولٍ إلى آخر لمنع طرق الرزق الشريفة تحت دعاوى الإختلاط السخيفة وفي ظل أوهام الفتنة المريضة ثم يقضي بعض هؤلاء المحتسبين الليل في عدّ أموالهم ومراقبة أرصدتهم فهذا هو الظلم الذي لا لبس فيه. وقد ظهرت في الفترة الأخيرة دعاوى للإحتساب والإنكار على بعض المناشط الإجتماعية والفكرية في الوطن وقد وصلتني احدى هذه الرسائل وكان مما جاء فيها : «أقسم بالله العظيم أنّ الله سيخسف بكم الأرض ويجعلكم عبرةً للعالم إن لم تبادروا أنتم وجميع من لكم سلطة عليه إلى انكار المنكر الذي يحدث في الجنادرية وإني اسأل الله أن ينصركم يا أسود الإحتساب فأنتم والله البقية الباقية في هذه الأرض». هذا المقطع الركيك من هذه الرسالة الركيكة والمريضة ربما وصل للكثير من الناس والحقيقة أنّ العجب لا ينتهي من هذه النفوس المريضة والسيئة الظنّ بالخلق, ولا أعلم ماذا يمكن أن يحدث في الجنادرية لكي يخسف الله بنا الأرض!! ولا أعلم كيف يمكن أن أفهم قول ربنا سبحانه»أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن» في ظل الطريقة الصلفة والمنفرة التي ينتهجها البعض ممن يزعمون أنّهم أرباب التقوى وأصحاب الفضيلة والشريعة في دعوة الناس ومحاولة هدايتهم !! وعند النظر في حال المجتمع مع بعض أصحاب الإحتساب العبثي والوصاية الممقوتة من عشاق محاكم تفتيش النوايا فسنصل إلى أحد أمرين وسيكون على هؤلاء أن يختاروا مايرونه منهما,الأول هو أنّ مجتمعنا إن كان بهذا السوء والإنحطاط الذي تروجون له وتتصرفون وفقاً له,فنقول لكم إنّ هذا المجتمع هو طرح غرسكم الذي مارستموه طوال ثلاثة عقود وأكثر, فهذا المجتمع الذي كنتم تعدون أنفاس أفراده وحركاتهم وتتدخلون في شكل مايرتدون ومايأكلون ومايشربون وفي مظهرهم وملبسهم وفي نواياهم وأفكارهم وفي كل شيء حتى أصبح أصغر الأمور يحتاج إلى فتوى منكم لكي نقوم به, ثم كانت النتيجة هذا المجتمع الذي تزعمون فساده فما فائدة جمع الأغلال والقيود التي ابتليتم الناس بها؟ ولذلك ربما يجب أن تتركوا الناس لشأنهم فليس هناك ما يمكن أن يكون أسوأ من هذا الحال في زعمكم!!والثاني أنّ مجتمعنا مجتمعٌ فاضلٌ لا مثيل له في العالم كما تزعمون- في أوقات ذم الآخرين والتنقص منهم- فما حاجة الناس إليكم ما دامت الفضيلة متحققة والكمال حاصل؟. أمّا قضية أن نكون مجتمعاً بشرياً طبيعياً فيه الخير والشر, وفيه أنّ الإنسان هو الوصي على نفسه,وفيه أنّ الكرامة البشرية لا تتحقق في ظل من يمتهن الناس تحت دعاوى وهمه ووساوسه المريضة,وفيه أنّ الأصل في الناس هو البراءة من التهمة والخطأ حتى يثبت عكس ذلك,وفيه أنّ الناس أحرص على أنفسهم من أصحاب محاكم تفتيش النوايا, هذا المجتمع الذي تكون فيه هذه الأشياء ربما لم يخطر ببال هؤلاء. [email protected]