لم تكتمل فرحة الشعوب العربية بربيعها الذي أطلقت عليه أحسن الألقاب، ووصفته بأروع الصفات، وبنت على إثره آمالاً عراضاً، وأحلاماً طِوالاً، حيث أحسسنا جميعاً أن ما حدث هو بالفعل حجر الزاوية لمسار الحياة في وطننا العربي، ونقطة انطلاق لعهد جديد بفكر جديد، ونفوس همها البناء ولكن كما يقال: (تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن). فقد كانت الثورات بالفعل نقلة. ولكنها أشبه ما تكون بتغيير غرف القطار دون المساس بخطه الحديدي، سينزل الركاب من القديم ويفرحون بالجديد، ويصلون إلى نفس الوجهة ربما بشكل اسرع. فما أن تداعت الحكومات السابقة حتى بدأ الجليد في التصدع لتطل علينا الأحزاب المجمدة لعقود من الزمان لتبدأ من حيث تجمدث لا من حيث انتهى الآخرون، وتتنافس للوصول إلى السلطة وكان حري بها أن تتنافس في البناء والتوعية، وبث روح التعاون والوحدة من أجل مستقبل تمنته الشعوب، وتبنته الحكومات كواجهة تضليلية. فها هي تونس تدخل عهدها الجديد بعدد مائة وخمسة أحزاب، ومصر بأربعة وعشرين حزباً، وعشرون حزباً في اليمن، وكل حزب بما لديهم فرحون، والغريب في أحزابنا أنك يمكن أن ترسم لهم شجرة عائلة فهم في الغالب من أب واحد تفرخت عنه كل هذه البطون، ولكنهم أسرع تكاثراً من البكتريا في الحليب الخاثر. أي فكر ستحتمل هذه المنطقة التي لا يتعدى عدد سكانها (230 مليون نسمة) بينما مجموع عدد الأحزاب في الصين والهند لا يتعدى العشرين وعدد سكان الدولتين يشكل ثلث سكان العالم. والولايات المتحدة بثلاثمائة مليون نسمة يحكمها حزبان رئيسيان، وحزبان آخران ربما لم يسمع بهما حتى من يعيشون فيها. إلى أين يقودنا هذا التعدد والانقسام؟ إلى انقسامات أخرى ربما، فقد ألهانا التكاثر بالفعل، ونتفق دوماً على أن لا نتفق. بينما يختلفون لأجل التوحد والتماسك. وقد نشهد بعد عقد آخر ربيعاً جديداً إذا مد الله في الأعمار. [email protected]