من أكثر الكلمات الدارجة في حياتنا اليومية كلمة «مفروض» هذه المفردة العجيبة والساحرة، فبقدر ما يتذكرها الكثيرون، ويحافظون عليها ويتشبثون بها حد البقاء، إلا أنها لا تجد من يصدق معها كثيراً. إذ دائماً ما يتعامل معه العقل الجمعي على أنها فرضية غير قابلة للتطبيق والتنفيذ كواقع ملموس، وتبقى محلقة في سماء الخيال بعيدة كل البعد عن أرض الحقيقة، فأنت تسمع من الكثيرين في حياتك اليومية هذه المفردة العجيبة «مفروض» لمجرد استهجانهم أمر ما أو تعبيرهم عن عدم الرضى لمشهدٍ من المشاهد، ومن غرابة هذه الكلمة وسحريتها أن من يعبِّر بها عن استهجانه وعدم اقتناعه، يمارس عكسها في واقعه، فهو يرى أن من «المفروض» أن يفعل كذا وكذا ولكنه لا يفعل ذلك لأنه مهما قاله يبقى «مفروض» وهذا من أسرار كلمة «مفروض» العجيبة. لو أمعنت قارئي العزيز في هذه الكلمة جيداً، وتوقفت عندها كلما نبست بها بنت شفة، ثم قاربت ما رُمي إليه من استخدامها لوصلت إلى حقيقة هذه المفردة العجيبة واقتنعت بأن علينا أن نضع لها نُصباً تذكارياً، يليق ومكانتها العظيمة التي لم تحتلها من فراغ، بل حازتها من قدرتها العجيبة على التلاعب ببني البشر في جائرةٍ محكمة بين الوعي واللاوعي حتى حولتهم إلى أتباعٍ باسطةً عليهم هيمنةً ليست إلا لها، وجعلت من حريات الأشخاص أمراً مستباحاً وكرتاً مفتوحاً لدخول حياة الآخرين والتطفل عليها. أظن أنه لابد من زمن طويل من الثورات والثورات، وحمل الشعارات المنادية بإسقاط مفردة «مفروض» من جميع القواميس وكل أنواع الكتابة والتعامل الحياتي، وتفريغها تماماً من محتواها لتحقق إرادة الشعب، حينها لن تجد من يقول لك «مفروض» ولا يعمل بمقتضاها خالصاً من ذاته دون انتظارٍ لمن يُعلمه ال «مفروض».