كنت أظن أن أعظم هتاف تنادي به الثورات العربية هو: " الشعب يريد " ! حتى سمعت في ساحات سوريا: " الموت و لا المذلة ! " إذا كان الهتاف الأول يعبر عن وعي سياسي جماهيري عالٍ جداً، يرتكز على أن ( الشعب هو مصدر السلطة و هو المانح الشرعي الوحيد لها ) وأن العلاقة بين الشعب والحاكم علاقة قائمة على تنفيذ الأخير لشروط الأول، ومتى ما أخل بها جاز للشعب أن ( يريد تغيير النظام ) ، والشعب إذا أراد، كما قال الشابي، وكما قالت تونس التي أزهرت ثورتها بانتخاباتها الأخيرة، فلا بد أن يستجيب القدر .. لكن الهتاف الثاني يمثل أعلى مستويات الوعي الإنساني بالحرية، إنه يعني أننا لا نختار حياتنا فقط، بل وموتنا أيضاً ! الموت العزيز الكريم، و لا الحياة التي لا تريد أن تطاوعنا .. الحرية الإنسانية في أعظم تجلياتها، وهي تواجه الوجود و قساوته، ( الموت و لا المذلة ) تعني التحرر الكامل من كل القيود اللعينة على الحرية، بل الاستعداد للتخلي من الحياة نفسها إن أصبحت قيداً في وجه الحياة الحرة، هذا الشعب الذي وعي الحرية بهذه الطريقة، لن يعود لبيته أبداً إلا منتصراً مهما طال الزمان ..