منذُ دخوله كلية الطب في جامعة الملك سعود بدأ رسم أحلامه وتطلعاته لصناعة مستقبل عملي مشرق لحياته , وكانَ أن كانت أرامكو السعودية في قلب تطلعاته لصناعةِ ذلكَ الربيع في حياته. طوالَ فترةِ دراسته كان يستمعُ لقصص كل تلكَ الشخصيات الناجحة التي بدأت طريقها عبر أرامكو السعودية ثم صنعت ربيعَ حياتها ونجاحها عبرَ العمل معهم , كان يستمعُ بإنصات إلى البيئة العملية الناجحة والمثمرة هناك , إلى إنصاف الكفاءات والفرص المتساوية في النجاح وهو يتطلعُ يوماً بعدَ آخر إلى تحقيق ذاكَ الحلم وبدأ رسم قصة الإنجاز. وقد كانَ لهُ ذلك , تخرجَ متفوقاً بشهادته الطبية والتحق بعد بضعة أشهر بشركة أرامكو السعودية في شرق الوطن حيثُ الظهران ليعمل في المستشفى الرئيسي بها وهوَ يظنّ أن حلمه قد بدأ للتوّ وأن القدر بعد توفيقِ الله أذنَ له ببداية أيامه الجميلة. كانَ كلُّ ذلكَ أحلاماً على ورق حتى صدمهُ الواقع , بدأ عملهُ نشيطاً متحفزاً مستعداً لإثبات جدارته وكفاءته , مؤمناً بقدرته على شقِّ دروب النجاح وتحقيق الذات لكن الواقعَ العملي كان يُخبئُ له الأسوأ. واجهَ بيئةً لم يكن يتوقعها , بيئة تعتمدُ على اسمه وعلى مركزه الاجتماعي لنجاحه عمليا! كانَ يظنّ أن معيار نجاحه يعتمد على مقدار الجهد الذي يُقدمه في حين أن المعايير التي واجهها كانت تعتمدُ بالضرورة على المحسوبيات والعلاقات وبناء دوائر التواصل معَ هذا وذاك لتعزيز مكانته عملياً ولدعمِ نجاحه. كما لاحظَ بشكلٍ واضح أن أرامكو السعودية التي أصبحت سعودية بالكامل في عام 1988 لم تكن كذلك , كان زملاؤه الأطباء أميركيو الجنسية يُعاملون بصورة مختلفة عن نظرائهم السعوديين في مخصصاتهم المالية وفي حضورهم الاعتباري الوظيفي. كانت إجازته السنوية تعتمدُ على جدول إجازات زميله الطبيب الأمريكي الذي يستلمُ ضعفي راتبه معَ أنه لا يقلُّ كفاءة عنه إن لم يكن يتفوق عليه! بعدَ سنوات من العمل أدركَ أنها كانت أحلاماً على ورق وأن كل تلك الصورة التي رسمها اختلفت عندما واجهها, لكنهُ كما هوَ دوماً لم يكن من أولئك الأشخاص الذين يستسلمون لتحدياتهم بل بقي معتمداً على كفاءته وحضوره العملي المميز لتعزيز نجاحه والاستمرار فيه ولم تزده كل تلك التحديات إلا إصراراً على تحقيق ما تحدث عنه غاندي «كن أنت التغيير الذي تريد تحقيقه في العالم» , لكنه فقط كان حزيناً على بيئةٍ عملية سمعَ عن قصص نجاحها الكثير ووجدها تُستَنزف في بيئة المحسوبيات أو في تمييز الأجنبي على المواطن ليبقى متسائلاً كيفَ للشركة الوطنية الأم أن تُعاملكَ دوماً بالنظر إلى لون جوازك لا إلى مقدار كفاءتك!