تجلت أولى ملامح المشروع الصهيوني في فلسطين بالاستيطان، كان هذا الأمر بداية الحلم الصهيوني في إنشاء دولة يهودية في فلسطين. كان الاستيطان النواة الأولى لتهويد فلسطين، منذ إنشاء المستعمرة الأولى (بتاح تكفا) ويعني اسمها فتحة الأمل عام 1878 ، وفي عام 1882 ثم إنشاء ثلاث مستوطنات هي(ريشون ليتسيون ) وتعني (الأولى لصهيون) و(روش بينا) ويعني اسمها (رأس الزاوية) و (زخرون يعقوب) والتي تعني (ذكرى يعقوب) نبي الله الذين انتسبوا له في أولى بداية مشروعهم الصهيوني، وأطلقوا اسمه على دولتهم بعد إنشائها. كان الاستيطان يمثل بداية مشروع سياسي يرمي لإنشاء دولة اليهود، ومشروع اقتصادي يقوم على العمل والإنتاج والاقتصاد العبري، ومشروع تمسح بمسوح دينية حين أخذ اسم احد أنبياء الله، ومشروع تفريغ وإحلال يقوم على تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، وإحلال غيرهم ممن انخرطوا في ركب الصهيونية على اختلاف منابتهم وأعراقهم ولغاتهم ودياناتهم. مثل الاستيطان مشروعاً ديمغرافياً لزيادة عدد اليهود في فلسطين، مدعوماً بأحد أعمدة الصهيونية وهو هجرة أو تهجير اليهود إلى فلسطين، ومثل مشروعاً ثقافياً يرمي إلى تعليم المهاجرين مبادئ الصهيونية، والفنون العسكرية واللغة العبرية وغيرها من مقومات الهوية الجديدة. كانت المستعمرات ولا زالت عبارة عن قلاع عسكرية، فهي تقوم على نظرية البرج والسياج ؛ فالبرج يستكشف ما حوله، والسياج يحمي من أصحاب الأرض المغتصبة،وتضم بداخلها مختلف أنواع الأسلحة والجنود، وتشكل جبهة أمامية خاصة في المناطق الحدودية كما هو الحال في منطقة غور الأردن المتاخمة للحدود مع المملكة الأردنية الهاشمية، حيث تشهد المنطقة تهويداً شبه كامل. استمر الاستيطان منذ عام حتى اليوم، كبر وتغول، في الضفة الغربية اليوم توجد مدن إسرائيلية كاملة تدعى مستوطنات، لكنها تحتوي على كافة المرافق الصحية والتعليمية والثقافية والاقتصادية لأية مدينة عصرية، غذت حكومات إسرائيل الاستيطان بكل أسباب البقاء، حتى أصبح اليوم أمراً واقعاً يصعب إن لم يستحل على أية حكومة إسرائيلية أن تتخلى عنه، أو تلغيه. مثل الاستيطان نقمة على الفلسطينيين، فهو سلب أرضهم ومياههم ومستقبلهم، فهم الآن (جيران) رغما عنهم لأعداء لا يرقبون فيهم إلاً ولا ذمة، يقتلعون أشجارهم، يستولون على مقدساتهم، يعتدون عليهم حتى أصبحت اعتداءاتهم خبراً يومياً عادياً في مختلف وسائل الإعلام اليومية. تضم الضفة الغربية اليوم مئات آلاف المستوطنين المسلحين بكافة الأسلحة المادية، كما أنهم مسلحون بالنظرية العنصرية التوسعية الكارهة ل (الآخر) الساعية بكل ما أوتيت من قوة لاقتلاعه من أرضه ومرتع طفولته. يمثل مشروع الاستيطان حجر الزاوية في سياسة حكومة إسرائيل الحالية، وتصر رغماً عن رغبة العالم أجمع على استمراره، مما يغلق أفق أية عملية سياسية مع السلطة الفلسطينية، فلا معنى للتفاوض على أرض يقوم الإسرائيليون بنهبها، ونحن نفاوض عليها، لأن عملية النهب تجري بوتيرة أسرع من أية عملية تفاوضية.