"النوايا الحسنة تصنع ثورة ولا تصنع دولة"، حكمة بتُّ أؤمن بها تماما، وخاصة بعدما طبقها العرب مرتين، فالشريف الحسين بن علي قاد الثورة العربية الكبرى الأولى ، ولكن نيته صنعت ثورته، ولم يستطع أن يصنع بها دولته وجاءت سايكس بيكو للتقسيم.وهاهي ثورة العرب الكبرى الثانية تأتي بعد قرن على الأولى، ولا يشك أحد أن الشباب الذين قاموا بالثورة نواياهم حسنة، لأنهم ثاروا على الظلم والاستبداد، فهل سيستطيعون بناء دولتهم التي يحلمون بها كما استطاعوا بناء ثورتهم وبشكل صدم كل المراقبين المتابعين للشأن السياسي في العالم؟ .. وهل التدخل الغربي سيقودها لخديعة أخرى كبرى ، ولكن هذه المرة مغلف بورق "سولوفان" فاخر؟. وها قد قامت الآن الأحداث العربية بجيل جديد ثار على الظلم ولا نشك في تضحياتهم في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا. ولكن يحق لنا أن نتساءل: هل سيخدع العرب بثورتهم الكبرى الثانية من قبل الغرب؟ وهل تتكرر مأساة العرب ويعود الغرب إلى تمزيق دولهم ونهب خيراتهم وينقلهم من استعمار داخلي إلى استعمار خارجي؟ . الغرب في كل الأحوال يبحث عن مصالحه، ولا يمكن أن يعطي أي شيء مجاني، فالدعم الذي يقدمه الغرب للثوار في ليبيا ليس بريئا والتحول الكبير في سياساته لا يوجد عاقل يصدق أنه بهدف نشر الديمقراطية.وفي مقاربة بسيطة نبين ثورتي العرب نجد أن هناك خطوط تقاطع بينهما تتمثل في الظلم والاستبداد الذي استشرى في تلك الدول وكذلك في الأهداف الفوضوية وعدم وجود رؤية شاملة لما بعد الثورة. أما النقطة الأهم في أن دعمهم الثورة العربية الكبرى الأولى بالسلاح كان لفترة آنية فقط، بحيث يسمح بإضعاف العرب، بل كان الدعم لتأجيج الصراع فيخرج كلاهما من الحرب ضعيفا. وجاء هذا الدعم للتطورات الحالية بالطريقة نفسها، فالغرب دعم ازالة انظمة ، ولكنه لم يدعم أي تحرك في سبيل الانتقال الآمن ،وكذلك الدعم العسكري لثوار ليبيا يأتي بشكل مقنن لدرجة لا تعطيهم ثقلا وقدرة عسكرية لفترة ما بعد حربهم مع القذافي. يحق لنا الآن، وبعدما تكشفت أمور كثيرة بعد انتهاء الثورة في مصر وتونس واشتعالها في ليبيا واستمرارها في اليمن وسوريا، أن نتساءل وبشكل عقلاني حول الأهداف البعيدة للأحداث العربية ودور الغرب فيها، وما الحال الذي ستؤول إليه الشعوب العربية بعد انقشاع غبار الثورات، بعيدا عن العواطف والنوايا، فللحكم والدول حسابات أخرى.الأمة لا تريد أن نستبدل ظلما وقمعا بظلم أشد وأعتى، وها أنا أكررها للشباب العربي: "النوايا الحسنة تصنع ثورة ولا تصنع دولة".