يقف مجلس النواب اليمني هذه الأيام موقفاً تاريخياً أمام معطيات ومخرجات الأزمة اليمنية، وسيلعب دوراً محورياً مهماً في الأيام القليلة المقبلة لن يتاح له مرة أخرى، وبيده الآن الانتقال باليمن وبحكومة الوفاق الوطني إلى حيز تنفيذ بنود المبادرة الخليجية وفق آليتها التنفيذية وإخراج اليمن من عنق الزجاجة، أو إدخاله في صراعات شبيهة، بل لعلها تكون أكثر عنفاً مما نراه في الشارع المصري. السبب بسيط لكن تجاهله ستكون له نتائج سلبية، فالمبادرة الخليجية، للأسف، لم تحدد تفاصيل وشروط اختيار شخصيات حكومة الوفاق، سواء من طرف السلطة أو من طرف المعارضة. وبالتالي فالمجال مفتوح أمام الطرفين لاختيار من تتفق عليه قياداتهم لتسليمهم الحقائب الوزارية بغض النظر عن ماهية هذه الشخصيات ودورها في الأزمة اليمنية وهل ستجد قبولاً لدى الشارع اليمني والطرف الآخر أو لا، والمقصود بالشارع اليمني هنا ليس الشباب المعتصم فقط بل كل فئات المجتمع اليمني من مؤيدين ومعارضين وشباب معتصم وفئة صامتة. إن هذا المجال غير المقنن لا في بنود المبادرة ولا في آليتها التنفيذية، قد يفتح الباب على مصراعيه أيضاً لصراعات في الشارع اليمني تماماً كما يحدث الآن في الشارع المصري وذلك لاحتمال بروز أسماء ليس عليها إجماع أو على الأقل شبه إجماع على نزاهتها من إشكاليات الأزمة اليمنية وأضرارها والدماء التي سُفكت خلالها من أي طرف كان، وبالتالي لن تكون مقبولة لدى جميع الأطراف الأمر الذي سيتسبب في نشوب صراعات. كنت أتمنى وما زلت على أطراف المبادرة الخليجية أن يتحروا في اختيار الوزراء بحيث يعملون على اختيار شخصيات يكون عليها إجماع أو على الأقل شبه أجماع من مختلف فئات الشعب اليمني لا سيما الطرف الآخر وأن يحيدوا الشخصيات النارية التي برزت خلال هذه الأزمة. من ناحية أخرى فإن دور مجلس النواب في تجنيب اليمن مثل هذه الصراعات منوط بحكمة أعضائه الذين لهم السلطة الكاملة في منح الثقة لحكومة الوفاق. وأتمنى ألا يمنحوا ثقتهم لأي حكومة وفاق تتضمن شخصيات ساهمت سواء بالقول أو الفعل أو التمويل أو التخطيط أو التأييد أو التحريض في سفك دماء اليمنيين وتدمير ممتلكاتهم والتسبب في معاناتهم المريرة طوال عشرة أشهر، (كمن نادى بالزحف واقتحام المؤسسات أو من توعد باقتحام غرف النوم، أو ذلك الذي سيحاكم كل من وقف مع الشرعية الدستورية ويعلق لهم المشانق، أو تلك التي اعتبرت كل أنصار الشرعية الدستورية مجرد لصوص ومرتزقة ورأت أن رجال اليمن أصبحوا في يوم وليلة أنثى، أو تلك العصابة التي قتلت وسفكت دماء أهلنا وأطفالنا في الحصبة وصوفان وتعز الحالمة، أو أولئك الذين قتلوا الشباب المعتصم في المسيرات السلمية ليتاجروا بدمائهم، واعتقلوا الشباب الحر والمستقل لإخراس أصواتهم. إن كل من يعتقد بأن الشعب اليمني بحُكم ما عاناه طوال عشرة أشهر يمكن أن يقبل أو يوافق على أن يرى مثل هذه الشخصيات التي أشرت إليها متربعاً على كراسي الوزارة من دون أن يحرك ساكناً فهو واهم.