إذا كان المجال لا يتسع هنا لعرض الفصول الأثني عشر لكتاب أو لوثيقة الادانة الشاملة التي عرض فيها بابيه صورة متكاملة عن عمليات التطهير العرقي المنظمة التي قامت بها العصابات الصهيونية المسلحة المتوحشة ضد الفلسطينيين والتي شهد عليها مراقبو الأممالمتحدة، ومراسلو الصحف الأمريكية، فإن من الضروري التوقف عند بعض المحطات والإشارات والأحداث اللافتة لوضع بعض أجزاء الصورة الأصلية لما جرى، وخصوصاً في شأن التعريف الاجرائي والقانوني لمعنى مصطلح التطهير العرقي، كذلك طبيعة الجهود والعمليات الميدانية (الاستخبارية) التي قامت بها القوات اليهودية قبيل الإعلان الرسمي عن قيام إسرائيل، وكيف كان التنظيم والعمل الموثق وجمع المعلومات والالتزام بالتعليمات، هي الصفات المميزة لعمل هذه العصابات فيما كانت العشوائية والبدائية وغياب لهذه القيادات السياسية والوعي عن العمل الفلسطيني غير الموحد أصلاً، وكذلك العمل العربي المتسم بالعاطفية والانفعال وردود الفعل وانعدام المبادرة. إذن قصة 1948م ليست طبعاً، معقدة على الاطلاق، ولهذا فإن هذا الكتاب يتوجه الى القادمين الجدد الى هذا الحقل (حقل رفض الرواية الرسمية الصهيونية الاسرائيلية التي تقول إن السكان العرب المحلين غادروا البلد طوعاً)، وفي الوقت نفسه الى الذين كانوا لأعوام كثيرة ولأسباب متعددة معنيين بالمسألة الفلسطينية، ويفتشون عن طريق للاقتراب من ايجاد حل لها. إنها القصة يكتب بابيه البسيطة والمرعبة لتطهير فلسطين من سكانها الأصليين، وهي جريمة ضد الإنسانية أرادت إسرائيل إنكارها وجعل العالم ينساها ان استردادها من "النسيان". والقول ما زال لبابيه واجب علينا ليس فقط من أجل كتابة تاريخ صحيح كان يجب أن يكتب منذ فترة طويلة، أو بدافع من واجب مهني. إن ذلك كما أراه قرار إضافي وبالذات الخطوة الأولى التي يجب أن نخطوها إذا أردنا أن تعطي المصالحة فرصة، وأن تتيح للسلام أن يحل ويتجذر في فلسطين واسرائيل. بداية القصة، أو ما هو التاريخ الفعلي لبدء تنفيذ خطة التطهير العرقي في فلسطين؟ في عصر يوم أربعاء بارد في 10 مارس 1948م وضعت مجموعة من أحد عشر رجلاً مكونة من قادة صهيونيين قدامة وعسكريين، اللمسات الأخيرة لتطهير فلسطين عرقياً. وفي مساء اليوم نفسه، ارسلت الأوامر الى الوحدات على الأرض بالاستعداد للقيام بطرد منهجي لفلسطينيين من مناطق واسعة في البلد، وارفقت الأوامر بوصف مفصل للأساليب الممكن استخدامها لاخلاء الناس بالقوة: إثارة، رعب واسع النطاق، محاصرة وقصف قرى ومراكز سكانية، حرق منازل.. وأملاك وبضائع وسيارات، طرد، هدم بيوت ومنشآت وأخيراً زرع الغام وسط الانقاض لمنع السكان من العودة الى منازلهم. وتم تزويد كل وحدة بقائمة تتضمن أسماء القرى والأحياء المحددة كأهداف لها في الخطة الكبرى المرسومة، وكنت هذه الخطة التي كان اسمها الرمزي "الخطة دالت" أي الحرف ب"العبرية" هي النسخة الرابعة والنهائية عن خطط أقل جذرية وتفصيلاً عكست المصير الذي كان الصهيونيون يعدونه فلسطين، وبالتالي لسكانها الأصليين، وقد كانت الخطط الثلاث السابقة تعكس في شكل مبهم تفكير القيادة الصهيونية بالنسبة الى كيفية التعامل مع تلك الأعداد الكبيرة من الفلسطينيين القاطنة في الأرض التي كانت الحركة القومية اليهودية تشتهيها لنفسها، أي يجب أن يرحل الفلسطينيون. فاكس: 6658393