كان أكثر من نصف سكان فلسطين الأصليين، أي ما يُقارب 800 الف نسمة قد اقتلعوا من أماكن عيشهم، و531 قرية دمرت، و11 حياً مدنياً أُخْلي من سُكانه. إن هذه الخطة التي تقرر تطبيقها في 10 آذار 1948م، والأهم من ذلك تنفيذها بطريقة منهجية في الأشهر التالية، تُشكل مثالاً واضحاً جداً لعملية تطهير عرقي، وتعتبر اليوم في نظر القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية. نعود إلى طرح الأسئلة من جديد: هل كان ذلك ممكناً ومتاحاً أمام القوات اليهودية لمجرد وضع خطط وسيناريوهات يقوم بإعدادها نفر من القيادات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، أم أن الأجواء والمعطيات والمعلومات والخرائط كانت جاهزة ومتوفرة ما سمح بتنفيذ خطة إبادة جماعية كالخطة "دالت" على تلك الدرجة من الكفاءة والسرعة وإبقاء السيطرة الكاملة على الأوضاع الميدانية والسياسية أيضاً ؟ . نعم، فقد تم إعداد سجل مُفصل للقرى العربية بناء على اقتراح من مؤرخ شاب متخرج من الجامعة العبرية اسمه بن تسيون لوريا وقد اقترح أن يقوم الصندوق القومي اليهودي بإعداد هذا السجل لأن هذا سيساعد جداً في تحرير البلد ، تم الأخذ بهذا الاقتراح وكانت المهمة الرئيسية كما يقول بابيه - رسم خرائط القرى ، لذا تم تجنيد خبير طوبوغرافي من الجامعة العبرية. هل جاء هذا العمل الخطير الذي قام به الصندوق القومي اليهودي متأخراً في التوقيت؟ ليس الأمر كذلك بالتأكيد كانت المحصلة النهائية لجهود الطوبوغرافيين والمستشرقين ملفات لكل قرية من قرى فلسطين، عمل الخبراء الصهيونيون على استكمالها بالتدريج بحيث أصبح الأرشيف مكتملاً تقريباً في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي، وتضمن ملف كل قرية تفصيلات دقيقة عن موقعها الطوبوغرافي، وطرق الوصول اليها، ونوعية أراضيها وينابيع المياه، ومصادر الدخل الرئيسية، وتركيبتها الاجتماعية والانتماءات الدينية للسكان وأسماء المخاتير والعلاقات بالقرى الأخرى وأعمار الرجال من سن 16 سن الخمسين، ومعلومات كثيرة أخرى. من فتات المعلومات المهمة كان هذا مؤشر يحدد درجة العداء للمشروع الصهيوني في بناء على مدى مشاركة القرية في ثورة 1936م، وكانت هناك قائمة بأسماء الذين شاركوا في الثورة، والعائلات التي فقدت اشخاصاً في القتال ضد البريطانيين في فلسطين ، وأعطى الأشخاص الذي زعم أنهم قتلوا يهوداً اهتماماً خاصاً.. هذه الأجزاء الأخيرة من المعلومات نجم عنها في سنة 1948م أشد الأعمال وحشية في القرى، وقامت إلى اعدامات جماعية وتعذيب للضحايا. وكي لا تبدو الأمور وكأنها من نسج الخيال أو محاولة لحشد المزيد من القضايا الاتهامية ، فإن المؤلف يورد شهادة لأحد هؤلاء الذين شاركوا في تجميع هذا الأرشيف الضخم والشامل عن كل قرية فلسطينية. يقول: أدرك الأعضاء والنظاميون الذين كلفوا جمع المعلومات من خلال رحلات استطلاعية إلى القرى منذ البداية، أن المهمة لم تكن تمريناً أكاديمياً في الجغرافيا، وكان واحداً من هؤلاء موشيه باسترناك الذي شارك في إحدى رحلات الاستطلاع وجمع المعلومات المبكرة في سنة 1940م.